لقد وقع تكرار الحرف عند الشابي في نمطين أولهما: الصوت الداخلي الذي يشيع في داخل القصيدة سواء أكان تكراره بشكل رأسي أم أفقي، وثانيهما: الصوت الخارجي المنظم (القافية) الذي بنى عليه الشاعر قصائده، لأن للقافية دوراً أساسياً في خلق جو من التماثل الموسيقي المتراتب الذي يقع في آخر البيت الشعري. لقد سار الشابي في نظم القوافي على ما عرفه العرب من بحور الشعر، فلم يضف شيئاً إلى البناء العروضي إلا أنه استطاع أن يحرك هذا الشعر خارج الحس وأن يمنحه لغة راقصة ذات همسات مؤثرة، فنراه نوّع في قوافيه فنظم على حرف الباء واللام والنون والسين والميم والقاف والباء والدال والثاء والراء والفاء والهاء والعين والتاء، ولكن بعض القوافي قد تكرر عنده أكثر من غيره كقافية (الدال والميم والباء والهاء) فجعل منها تراتيل موسيقية فرضتها طبيعة السياق، وذلك واضح من خلال تكراره لبعض القوافي، فالدال في قصيدة "قلت للشعر" تختلف عن الدال في قصيدة أغاني التائه (1) لاختلاف طبيعة الموقفين على أن النغمتين متساويتين في الروي. ومثل هذا يعمم على بقية القوافي التي تقع في نهاية السطر الشعري (2) .

لكنه كان يلجأ أحياناً إلى التلاعب بالقوافي محاولة منه أن يأتي بشكل جديد من القوافي أو بنمط أسلوبي مغاير للمألوف رغبة منه في الخروج من أسار التقليد والجمود، فهو من دعاة الثورة وليس السكون، فرسم من بعض صور تكرار الحروف أشكالاً هندسية بعد أن كانت ذات خط مستقيم أخذت تتجه إلى بؤرة مركزية جاذبة لكل الحروف وباعثه ومفجرة لطاقات الشاعر الإبداعية يقول:

ليت شعري

أي طير

بين أعماق القلوب

برنات النحيب

يسمع الأحزان تبكي

ثم لا يهتف في الفجر

بخشوع واكتئاب

لست أدري

أي أمر

أترى مات الشعور

في خشاشات الطيور

أخرس العصفور عني

في جميع الكون حتى

أم بكى خلف السحاب (3)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015