فكرر الفعل (يرى) في بداية كل سطر شعري وأخذ حيزه المكاني والزماني في ذاكرة الشاعر لأنه يقوم على اليقين فيؤكد الحضور للذات الغائبة في عالم الطبيعة، ليظهر الصدق في نقل تجربته وتصوير مراحل حياته وأفكاره. وتتعدد لوحات الرؤيا والآمال التي يبحث عنها الشاعر (الأطيار، الأزهار، الينبوع، الأعشاب) وهي من جزئيات الطبيعة ملازمة لها متوحدة معها، فجسد في هذا التتابع والتعاقب عبر حرفي الفاء في (فيحسبها) والواو في (ونضرته وقد) التي تشير إلى نسق زمني مختلف عن نسق البداية من حيث التشكيل، لكنها تتفق معها في المعنى (فيحسبها أحلام) وبذلك يكشف التكرار عن دلالات وإيحاءات تعكس لهفة الشاعر لاستغلال كل لحظات حياته لاحداث التغير النوعي في المجتمع الذي سبب له صدمة اجتماعية وسياسية جعلته ينسحب من حلبة الحياة والتحلل من قيودها الذي منحه بعض العزاء في العودة إلى الحياة الأولى إلى نوع من البكارة البدائية في تلمس حقائق الوجود، عاد إلى طفولة الإنسان وبذلك عثر على شيء من فردوسه الضائع فماتت فيه حياة الجماعة وبقيت حياته الخاصة القائمة على النشوة الصوفية في معانقة الكون (1) . فكان تكرار الفعل (يرى) بمثابة البؤرة المركزية لهذه النشوة الكونية. وكأنه بذلك يتعبد في محراب الطبيعة ليكشف سر نفسه وسر الطبيعة بفعل يقيني لأن عزلته كانت عزلة تأمل ومعرفة.
لقد وظف الشابي تكرار الفعل فجعل منه أداة للتعبير عن الأمة وهمومه سواء منها الخاصة أو العامة، وجاء ذلك بشكل رأسي يعمق إحساسه بهذه الهموم ويحفر في عمق النص بشكل متوال عبر طرائق أسلوبية منها: