[112] محمد بن عائذ، نا الوليد، قال: وأخبرني شيخ من أهل قنسرين أنه غزا في صائفة كان يقدمها عمرو بن الوضاح في نحو من عشرين ألفاً، فوغل في دار أرض الروم، ففتح وسبى سبياً كثيراً، وكنت فيمن غزا معه، فأقبل بتلك الغنائم يريد عقبة الركاب، يتلقى جماعة الصائفة، فلما كان من عقبة الركاب على مرحلة أو مرحلتين، سمع منشداً ينشد: ألا من دل على بغلة كذا يتبعها إلفها برذون كذا، فدعا به عمرو، فقال: ما تقول؟ فأخبره بما ينشد، فقال: إنما البغال تتبع إلفها من البراذين ولا يعرف برذون يتبع البغال! فما أنت؟ ومن أين أنت؟ ومن بعث بك؟ قال: فذهب ينسب فلجلج، وعرف أنه قد لجلج، فقال: ليخلني الأمير، فأخلاه، فأخبره أنه عين للروم، وأنه خلّف أهل الرساتيق والكور قد حشروا إلى عقبة الركاب ليأخذوا عليك بها، ويستنقذوا ما غنمت، قال: ماذا لي إن نصحتك نصيحة تغنم بها جماعتهم وتجيزها بإذن الله لمن معك وما معك؟ قال: لك الأمان وغير ذلك، قال: إن الذين حشروا إلينا من الرساتيق لم يحشروا إليه على بعث ضرب لهم أعطوا عليها العطاء، وإنما حشروا إليها كرهاً، وقد أقاموا وأبطأت عليهم، فالرأي لك أن يؤذن مؤذنك في هذه الساعة أن يصبح الناس على ظهر نفير ليقيما [كذا] ، ثم يصبح غاديتهم، فيسير يوماً أو يومين، وتبلغهم ليوافوك عند إقبالك من العقبة، فإذا ذهب الخبر إليهم بذلك، وسرت يومك، رحلوا عنها أو أكثرهم، عطفت عليهم، فأضربها بإذن الله، وقويت على من بقي منها، قال الشيخ: نفعل ذلك، ثم عطفت راجعاً فوافى الأمر على نحو ما ذكر، من رفض عامتهم وقلة من ثبت عليها، فقاتلوه قتالاً شديداً، فنصره الله، وكان بيننا وبينهم معركة تشبه الملحمة، وأجاز بما كان سبا وغنم، حتى لحقنا أرض الروم.
وذكر الوليد كان ذلك سنة أربع عشرة ومائة وأمير الصائفة معاوية بن هشام (1) .