وفي قوله جلّ شأنه: {وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ} معجزة أخرى، حيث سخر له الجن استجابةً لدعائه، وذلك في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ} (?) ، وقال جلّ شأنه: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ} (?) ، فهذه خِصِّيصة لسليمان عليه السلام، فقد روى البخاري (ت256هـ) عن النبي (قال: ((إن عفريتاً من الجن تفلّت البارحة ليقطع عليّ صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت أن أربطه على سارية من سواري المسجد حتى تنظروا إليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان رَبِّ هَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي فرددته خاسئاً..)) (?) ، فهذا التسخير من الله وحده وله المنّة، وليس كما يعتقده اليهود أن هذا التسخير ما تم له إلا بعلم السحر (?) .
ثم أخبر الله تعالى ذكره عن بعض ما يعمله الجن لسليمان عليه السلام، فقال جلّ ذكره: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ} ، المحاريب: القصور، هذا هو الراجح في الآية (?) .