إن المعطلة على اختلاف دركاتهم في التعطيل انطلقوا من منطلق واحد، وهو اعتبار أن الحقائق في الصفات هي التي في الشاهد، فاليد هي الجارحة، والعين هي الباصرة، والكلام لا يكون إلا بلسان وشفتين في الشاهد، والرحمة رقة تحدث في القلب في الشاهد، والغضب انفعال يحدث في النفس عند وجود موجبه، هذا هو الأصل في الشاهد. أما في حق الله تعالى، فقياسه على خلقه لا يصح، فلا بد إذن من البحث عن معنى آخر تتقبله عقولهم، فلتكن اليد هي القدرة أو النعمة، ولتكن الرحمة إرادة الثواب، والغضب إرادة العقاب، هكذا جعلوا كل المعاني التي دلت عليها اللغة عند إطلاقها أصلاً في الإنسان كما رأت ذلك المشبهة فشبهت، أما المعطلة فقد انطلقوا من نفس المنطلق، ولكنهم وجدوا أن التشبيه غير صحيح، فوجدوا النفي مركباً للهروب من التشبيه الذي توهموا أن إثبات صفات الله تعالى على نحو ما جاءت به النصوص الشرعية يؤدي إليه، هذا كله عند القائلين بالتأويل، وأما القائلون بالنفي الكلي أو الجزئي، فمنطلقهم أيضاً نفس منطلق المشبهة والمؤلة، غير أن كل فريق انطلق إلى اتجاه غير اتجاه الآخر، فالمشبهة إلى وحل التشبيه فسقطوا فيه، والمعطلة إلى التعطيل تحت غطاء التنزيه، فسقطوا في مستنقع التعطيل على تفاوت فيما بينهم في الغوص في أعماقه.

وسبب هذا السقوط في تلك الأوحال والمستنقعات عدم نظرهم إلى القضايا الغيبية نظرة ثاقبة على ضوء ما دلت عليه النصوص الشرعية، فالمشبهة نظروا إلى الغيب نظرهم إلى الشاهد، فشبهوا ولم يأخذوا بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ((1) ، بل نظروا فقط إلى نصوص الإثبات نظرة سطحية فتطرفوا، والمعطلة نظروا إلى الغيب أيضاً نظرهم إلى الشاهد فتشابه الأمر عليهم فنفوا ولم يأخذوا بنصوص الإثبات مع نصوص التنزيه فعطلوا باسم التنزيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015