هذا في صفة إنسان يعتبر واحداً من أفراد جنسه، وجنسه ونوعه معروفان في الخارج، والصفات المشتركة بين أفراد الجنس الواحد كثيرة، ومع ذلك فقياس زيد الغائب على عمرو الشاهد من جميع الوجوه مع تجانسهما، فاسد إلا فيما كان من الخصائص الإنسانية العامة الشائعة في أفراد الجنس. فإذا كان هذا لا يصح في أفراد الجنس الواحد في بعض خصائصه، فكيف يصح قياس الغائب على الشاهد في موصوف ليس من جنس الخلق؟ وهو الله تبارك وتعالى؟ من هنا أتي كل من المشبِهة والمعطِلة. لقد أتي من هاهنا فريقان وهما فريق المشبهة الذين شبهوا صفات الله بصفات خلقه وفريق المعطلة الذي نفى أسماء الله تعالى وصفاته كالجهمية، أو نفى صفاته وأنكر أن تكون أسماؤه الكريمة دالة على صفاته كالمعتزلة، أو أثبت بعض صفاته إثباتاً مشوباً بالغموض والاضطراب، ونفى معظمها تحت ستار التأويل الذي يعتبر صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى آخر لا دليل عليه من اللغة أو من النصوص الشرعية، وهم الأشاعرة والماتريدية.
قياس المشبهة:
إن المشبهة هم الذين غلوا في الأخذ بنصوص الصفات، وتجاوزوا ما دلت عليه النصوص الشرعية قياساً منهم للغيب على الشهادة، فذهبوا إلى أن صفاته تعالى الواردة في النصوص هي مماثلة لصفات خلقه، فجعلوا بذلك الشاهد أصلاً قاسوا عليه الغائب، وهو تصور خاطئ، وقياس فاسد، فقياس الغائب على الشاهد يصح فيما اتحد جنسه، واشترك في خصائصه كقياس الإنسان على الإنسان، في خصائص الإنسانية التي ثبت بالاستقراء أن الناس لا يختلفون فيها باختلاف الأزمان والأوطان.