وقد تكلف بعض المتأخرين توجيه هذه الرواية المقلوبة، وليس بجيد لأن المخرج متحد ولم يختلف فيه على عبيد الله بن عمر (1) شيخ يحيى فيه ولا على شيخه خبيب ولا على مالك رفيق عبيد الله بن عمر فيه.
وأما استدلال عياض على أن الوهم فيه ممن دون مسلم بقوله في رواية مالك مثل عبيد الله فقد عكسه غيره فواخذ مسلما بقوله مثل عبيد الله لكونهما ليستا متساويتين، والذي يظهر أن مسلما لا يقصر لفظ المثل على المساوي في جميع اللفظ والترتيب، بل هو في المعظم إذا تساويا في المعنى، والمعنى المقصود من هذا الموضع إنما هو إخفاء الصدقة والله أعلم"اهـ (2) .
قلت: وهناك احتمال ثالث أرجح عندي من الاحتمالين السابقين: أن الوهم من عبيد الله بن عمر؛ فقد قال أبونعيم: "حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، ثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي، ثنا مسدد ثنا حمّاد بن زيد (3) . ح وحدثنا محمد بن نصر ثنا عبد الله بن محمد بن زكريا ثنا محمد بن بكير ثنا عباد ابن عباد. وحدثنا عبد الله بن محمد ومحمد بن إبراهيم، قالا: ثنا أحمد بن علي حدثنا أبوخيثمة زهير بن حرب ثنا يحي بن سعيد. كلهم عن عبيد الله أخبرني خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزوجل، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما ينفق شماله ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه" (4) .
قلت: وهذا السياق صريح في أن الوهم من عبيد الله إذ اتفق يحي بن سعيد وعباد بن عباد وحماد بن زيد في روايته عنه على الوهم!