ولابد لهم مع ذلك من اتباع أمر ونهي غير الأمر الشرعي، إمَّا من أنفسهم، وإمَّا من غير الله ورسوله، إذ الاسترسال مع القدر مطلقاً ممتنع لذاته؛ لأن العبد مفطور على محبة أشياء، وبغض أشياء، وإن من يتولى عن الرضا بما جاء به محمد - (- فإن العقوبة ووقوع المصائب على المتولي غير بعيدة في عاجل الدنيا، فترك الرضا بأمر الله، وأمر رسوله، سبب وقوع المصائب، والعقوبات العاجلة والآجلة، كما قال الله في شأن اليهود: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (1) .

قال ابن جرير في تأويل هذه الآية: {فاعلم أنهم لم يتولوا عن الرضا بحكمك، وقد قضيت بالحق إلاَّ من أجل أن الله يريد أن يتعجل عقوبتهم في عاجل الدنيا، ببعض ما قد سلف من ذنوبهم} (2) .

حكم الرضا بالقضاء الشرعي الديني:

الرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب من لوازم الإسلام (3) ، بل إنه أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان.

فيجب على العبد أن يكون راضياً به بلا حرج، ولا منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، يدل على ذلك قول الله - سبحانه وتعالى -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (4) .

فقد جاء القسم في هذه الآية مؤكداً أنهم لايؤمنون حتى يحكموا رسول الله في كل شيء، وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه - (- وحتى يسلموا لحكمه تسليماً ما بعده منازعة، ولا معارضة، ولا اعتراض، وهذا حقيقة الرضى بحكمه - ((5) -.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015