((ويكون من الكناية - وذاك أحسنها - الرغبة عن اللفظ الخسيس المفحش إلى ما يدل على معناه من غيره. قال الله عزوجل:

{أُحِلَّ لكم ليلةَ الصّيامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكم} (1) ، وقالَ جلّ ثناؤه: {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} (2) ... ومن ذلك قولهم:

جاء فلان من الغائِط، كناية عن الحدث، وإنما الغائط الوادي، قال عمرو بن مَعْدِي كَرِب:

وكم من غائِطٍ من دون سلمى ... قليل الإنس ليس به كَتِيعُ)) (3)

ويقول ابن فارس تحت باب الكناية:

((الكناية لها بابان: أحدهما: أن يُكْنى عن الشيء فيذكر بغير اسمه تحسيناً للفظ، أو إكراماً للمذكور، وذلك كقوله جلّ ثناؤه: {وَقَالوا لِجُلُودِهِمْ: لِمَ شَهِدّتم عَلَيْنَا؟} (4) قالوا إن الجلود في هذا الموضع كناية عن آراب الإنسان. وكذلك قوله جل ثناؤه: {وَلَكِنْ لاتُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} (5) … كل هذا تحسين اللفظ. والكناية التى للتبجيل قولهم: ((أبو فلان)) صيانة لاسمه عن الابتذال. . .)) (6) .

وقد عقد الثعالبي في كتابه ((فقه اللغة وسر العربية)) لها فصلاً أسماه: فصل في الكناية عما يستقبح ذكره بما يستحسن لفظه ومن أمثلته التى ذكرها (7) ، قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (8) .

وقول النبي - (- لقائد الإبل التى عليها نساؤه: ((رفقاً بالقوارير)) . بل إنه أفرد هذه الظاهرة بكتاب أسماه: ((الكناية والتعريض)) قال في وصفه:

إنه كتاب خفيف الحجم، ثقيل الوزن، صغير الجرم، كبير الغنم، في الكنايات عمّا يستهجن ذكره، ويستقبح نشره ... بألفاظ مقبولة تؤدي المعنى، وتفصح عن المغزى، وتحسن القبيح، وتلطف الكثيف (9) .

وممن أفرد هذه الظاهرة بالتأليف القاضى أبوالعباس أحمد بن محمد الجرجاني (ت482هـ) بكتاب أسماه: ((المنتخب من كنايات الأدباء وإرشادات البلغاء))

طور بواسطة نورين ميديا © 2015