وبما أن الحديث عن مثل هذه الحالة فلن نذهب بعيداً وسنأخذ مثالاً آخر من رحلة ابن جبير، فهذا فقيه صقلي يعرف بابن زرعه، ضغط عليه عمال الملك النورماني، فأظهر فراق الإسلام، والانغماس في الدين النصراني، وحفظ الإنجيل، وأصبح قسيساً يستفتى في الأحكام النصرانية، وكان له مسجد بجوار داره فحوله إلى كنيسة (138) .

وهذا إذا كان على حقيقته، بمعنى أنه تنصر فعلاً، فيعود سبب ذلك إلى ضعف إيمانه، وإن كان يظهر التنصر ويخفي الإيمان، فلعله داخل تحت الاستثناء في قوله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) (139) .

وبعد فإن أهل النظر والمفكريين والعقلاء من المسلمين في صقلية، كانوا يخافون أن يصل بهم الحال ما وصل إليه حال إخوانهم في جزيرة قريطش والتي سقطت في أيدي البيزنطيين سنة 350هـ /961م، حيث استدرجهم النصارى شيئاً فشيئاً حتى تنصروا عن آخرهم، وفي ذلك يقول ابن جبير: (وأهل النظر في العواقب منهم يخافون أن يتفق على جميعهم، ما اتفق على أهل جزيرة أقريطش من المسلمين … حتى اضطروا إلى التنصر عن آخرهم، وفر منهم من قضى الله بنجاته، وحقت كلمة العذاب على الكافرين، والله غالب على أمره) (140) .

وينتهي عهد غليالم الثاني بوفاته سنة 585هـ / 11289م، وتبدأ في صقلية فترة سياسية مضطربة، استمرت إلى سنة 591هـ /1194م، تولى الحكم خلالها تانكر يد، ثم غليالم الثالث والذي في عهده انتقل حكم صقلية إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة إثر تدخل هنري السادس الإمبراطور الألماني في شئونها بعد زواجه من ابنة الملك النورمندي غليالم الثاني.

وقد كان وضع المسلمين في فترة الاضطراب تلك، لا يسر، فتاريخ تانكريد مليء بالأحداث القاسية تجاه المسلمين فهو الذي قاد حملة إبادة ضد المسلمين في مدينة بثيرة سنة 556هـ /1160م (141) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015