وهنا وقع المسلمون فريسة سهلة للمتعصبين من النورمان وخاصة في أعقاب تلك الثورة التي قامت ضد الوزير مايون، وزير غليالم الأول سنة 555هـ / 1160م حيث انتهز المسيحيون الفرصة، وهاجموا المسلمين وأثخنوا فيهم قتلاً وذبحاً في شوارع مدينة بلرم، كما أنهم دخلوا إلى القصر الملكي ووجدوا فيه موظفين مسلمين وخصيان فقتلوهم كما قتلوا المسلمين الذين كانوا في الدواوين أو في الفنادق والحوانيت، ونزعوا الأكفان عن جثث الموتى (105) .
ووصلت المذابح إلى الأرياف، والغابات والجبال، حيث هرب المسلمون إليها، ولحق بهم المسيحيون وقتلوهم ولم يراعوا في قتلهم عمراً ولا جنساً (106) .
هذا ما حدث للمسلمين في عهد غليالم الأول عندما كشر أولئك المتعصبون عن أنيابهم وأظهروا حقدهم على المسلمين ممثلاً في القتل والتعذيب
ومع ذلك فقد بقي في جيش غليالم الأول عدد كبير من المسلمين تمكنوا في نهاية المطاف من قمع الثورة (107) .
وتنتهي حياة غليالم الأول في سنة 562هـ /1166م، وبوفاته تتضح صورة من صور تعلق المسلمين بالحكام النورمان، حيث يطمع المسلمون في حمايتهم والتقدم في دولتهم، لأن الحاقدين كثيرون، والحاكم هو خير من يستطيع ضبط الأجناس المختلفة، وعدم تعدي بعضها على بعض.
وتلك الصورة هي ما أقدم عليه النساء المسلمات في مدينة بلرم حين توفي غليالم الأول، حيث لبسن الثياب الخشنة، ونشرن شعورهن، وملأن الفضاء بعويلهن، ورددن المراثي الشجية على نغمات الطنبور (108) . ومع ما في هذه الصورة من محاذير شرعية فإن لها دلالتها فيما يتعلق بالعلاقة بين المسلمين والبيت الحاكم في صقلية.