ومن كلام شيخ الإسلام هذا يفهم الفرق بين اللفظين، فلفظ التمثيل والتشبيه نفيه ثابت في الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة.

أما لفظ التجسيم فإنه من الألفاظ المحدثة المجملة التي لا بد من الاستفصال عن مراد صاحبها قبل الحكم عليها كما بيَّن شيخ الإسلام هنا.

ويترتب على ذلك أن بعض الفرق التي رميت بالتجسيم قد لا يكون مقصودها التشبيه والتمثيل المذموم ولذلك لا يصح رميها بالتمثيل والتشبيه، فهي لا تذم من هذا الوجه، وإن كان الذم قد يلحقها من وجه آخر كتوسعها في استعمال هذه الألفاظ المحدثة، وهذا ما سيأتي بيانه في المطلب التالي.

المطلب الثاني: من نسب إلى التشبيه

1- الكرامية (1) هم أتباع محمد بن كرام بن عراق بن حزبة السجستاني المتوفى سنة (255هـ) .

وهم في باب الصفات يثبتونها ولكنهم خالفوا أهل السنة في مسألتين:

المسألة الأولى:

أنهم يبالغون في الإثبات ويخوضون في شأن الكيفية، ودخل عليهم ذلك من جهة إطلاقهم لألفاظ مبتدعة كلفظ (الجسم) و (المماسة) .

ومن بدع الكرامية أنهم يقولون في المعبود إنه جسم لا كالأجسام (2) .

ومن بدعهم قولهم: إن الأزلي الخالق جسم لم يزل ساكنا (3) .

ويقولون: إن الله جسم قديم أزلي، وإنه لم يزل ساكناً ثم تحرك لما خلق العالم، ويحتجون على حدوث الأجسام المخلوقة بأنها مركبة من الجواهر المفردة، فهي تقبل الاجتماع والافتراق، ولا تخلو من اجتماع وافتراق، وهي أعراض حادثة لا تخلو منها، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

وأما الرب فهو عندهم واحد لا يقبل الاجتماع والافتراق، ولكنه لم يزل ساكناً. والسكون عندهم أمر عدمي، وهو عدم الحركة عمَّا من شأنه أن يتحرك، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة. وهؤلاء يقولون: إن الباري لم يزل خالياً من الحوادث حتى قامت به، بخلاف الأجسام المركَّبة من الجواهر المفردة، فإنها لا تخلو من الاجتماع والافتراق (4) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015