وهذه القول توضح بجلاء تخبط بعض المتصوفة في هذا الباب، وهذا الشر إنما دخل على أكثرهم بسبب المنهج الباطني الذي تقوم عليه المبادئ الصوفية، والتي يُهمل فيها الجانب العلمي المعتمد على النصوص الشرعية، فالتصوف في مبادئه يقوم على الجانب العملي المنحرف عن نصوص الوحي، والمعتمد على بعض الرياضات النفسية والجسمية التي أحدثها أرباب هذا المنهج، والتي يتولد عنها الكثير من الأمور الفاسدة، كزعمهم رؤية الله عياناً وسقوط الشرائع والأحكام عنهم وغير ذلك مما تقدم ذكره، وذلك في حقيقته إنما هو من استدراج الشيطان لهم فهو الذي يخيل لهم مثل تلك الأمور، ولو كان عند هؤلاء فقه في دين الله ومعرفة للنصوص لعلموا أن ذلك لا صحة له.

المبحث الثاني: من نُسب إلى التشبيه

وفيه مطلبان

المطلب الأول: الفرق بين التشبيه والتجسيم:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ((وفي الجملة الكلام في التمثيل والتشبيه ونفيه عن الله مقام، والكلام في التجسيم ونفيه مقام آخر.

فإن الأول دل على نفيه الكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة، واستفاض عنهم الإنكار على المشبهة الذين يقولون: يد كيدي، وبصر كبصري، وقدم كقدمي.

وقد قال تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى 11] ، وقال تعالى: {ولم يكن له كفواً

أحد} [الإخلاص 4] ، وقال: {هل تعلم له سميا} [مريم 65] ، وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أنداداً} [البقرة 22] ، وأيضا فنفي ذلك معروف بالدلائل العقلية التي لا تقبل النقيض، وأما الكلام في الجسم والجوهر، ونفيهما أو إثباتهما، فبدعة ليس لها أصل في كتاب الله ولا سنة رسوله، ولا تكلم أحد من السلف والأئمة بذلك نفياً ولا إثباتاً.

والنزاع بين المتنازعين في ذلك: بعضه لفظي، وبعضه معنوي. أخطأ هؤلاء من وجه وأخطأ هؤلاء من وجه.

فإن كان النزاع مع من يقول: هو جسم أو جوهر، إذا قال: لا كالأجسام ولا كالجواهر، وإنما هو في اللفظ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015