وقد مضى الأشعري في هذا الطور نشيطاً يؤلف ويناظر ويلقي الدروس في الرد على المعتزلة سالكاً هذه الطريقة.
ثم التقى بزكريا بن يحيى الساجي فأخذ عنه ما أخذ من أصول أهل السنة والحديث (1) ، وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها (2) ثم لما قدم بغداد أخذ عن حنبلية بغداد أموراً أخرى وذلك بآخر أمره.
ولكن كانت خبرته بالكلام خبرة مفصلة، وخبرته بالسنة خبرة مجملة، فلذلك وافق المعتزلة في بعض أصولهم التي التزموا لأجلها خلاف السنة واعتقد أنه يمكنه الجمع بين تلك الأصول، وبين الانتصار للسنة، كما فعل في مسألة الرؤية والكلام، والصفات الخبرية وغير ذلك (3) .
وقال عنه السجزي: ((رجع في الفروع وثبت في الأصول)) (4) أي أصول المعتزلة التي بنوا عليها نفي الصفات، مثل دليل الأعراض وغيره (5) .
وقال ابن تيمية: ((أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كُلاَّب البصري، وأبو الحسن الأشعري كانا يخالفان المعتزلة ويوافقان أهل السنة في جمل أصول السنة. ولكن لتقصيرهما في علم السنة وتسليمهما للمعتزلة أصولاً فاسدة، صار في مواضع من قوليهما مواضع فيها من قول المعتزلة ما خالفا به السنة، وإن كانا لم يوافقا المعتزلة مطلقاً)) (6) .
وقال أيضاً: ((والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب والأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الأجسام، وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشأها ويختارها، وأمثال ذلك)) (7) وقد مرت الأشعرية بأطوار ومراحل كان أولها زيادة المادة الكلامية، ثم الجنوح الكبير للمادة الاعتزالية، ثم خلط هذه العقيدة بالمادة الفلسفية.
((فالأشعرية المتأخرة مالوا إلى نوع من التجهم بل الفلسفة وفارقوا قول الأشعري وأئمة أصحابه)) (8) .