وثبوت ((معنى الكمال)) قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة، دالة على معاني متضمنة لهذا المعنى، فما في القرآن من إثبات الحمد لله، وتفصيل محامده، وأن له المثل الأعلى، وإثبات معاني أسمائه، ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى.
وقد ثبت لفظ ((الكمال)) فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير {قل هو الله أحد الله الصمد} [الإخلاص 1-2] ، أن الصمد المستحق للكمال، وهو السيد الذي كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحكم الذي قد كمل في حكمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الشريف الذي قد كمل أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه وتعالى.
وهذه صفة لا تنبغي إلا له، ليس له كُفُواً ولا كمثله شيء، وهكذا سائر صفات الكمال.
ولم يعلم أحد من الأمة نازع في هذا المعنى، بل هذا المعنى مستقر في فطر الناس، بل هم مفطرون عليه، فإنهم كما أنهم مفطورون على الإقرار بالخالق، فإنهم مفطورون على أنه أجل وأكبر، وأعلى وأعظم وأكمل من كل شيء، فالإقرار بالخالق وكماله يكون فطرياً ضرورياً في حق من سلمت فطرته، وإن كان مع ذلك تقوم عليه الأدلة الكثيرة، وقد يحتاج إلى الأدلة عليه كثير من الناس عند تغير الفطرة وأحوال تعرض لها)) (1) .
ولقد وصف الله نفسه بصفات كثيرة في كتابه العزيز وعلى لسان نبيه محمد (منها على سبيل المثال صفة الحياة أو العلم والسمع والبصر والرحمة والحكمة والعزة والعظمة والعلو والاستواء والقدرة والنزول والضحك والغضب واليدين والوجه وغير ذلك، وهذه الصفات التي أثبتها لنفسه كلها صفات كمال في حقه نثبتها لله حقيقة مع الاعتقاد الجازم بأنه ليس كمثله شيء في هذه الصفات.