وبناء على ما تقرر في أول البحث أن الأصل حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية فإن المراد بالسجود في المواضع الخمسة هو السجود على الوجه، لكن اختلف المفسرون في بعضها، حيث حُمل بعضها على الصلاة، والبعض الآخر على الخضوع، وسألقي الضوء على كل موضع على حدة فيما يلي:
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (الفرقان/60) : الظاهر حمل السجود على معناه الشرعي المعروف، ومنهم من حمله على الصلاة (1) ، وليس ثمة ما يلجئ إلى ذلك، وقد ضعّفه ابن تيمية (2) ، ومنهم من حمله على سجود الاعتراف له بالوحدانية (3) ، وهو بمعنى الخضوع والخشوع، لأن مسألة تكليف الكفار بفروع الشريعة لا طائل تحتها (4) ، والأظهر أن هذا الموضع على معناه الشرعي، وأما مسألة مخاطبة الكفار بالفروع ففيها خلاف مشهور بين العلماء، وعلى القول بأنهم غير مخاطبين فإن ذلك يطّرد في بقية المواضع الخمسة، ولم يقل أحد بذلك، فبقي هذا الموضع على الأصل الشرعي، ومما يدل على ذلك أن العلماء اتفقوا على أن هذه السجدة التي في الفرقان مشروع السجود عندها دون خلاف (5) ، وقال الضحاك (ت105هـ) : ((سجد رسول الله (وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعثمان بن مظعون وعمرو بن عنبسه، فرآهم المشركون فأخذوا في ناحية المسجد يستهزؤون فهذا المراد بقوله: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} (6) (الفرقان/60) .