وقال الله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرْ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) وَمِنْ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا} . (الإنسان/24-26) .

وقال الله تعالى: {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} . (العلق/19) .

إن الناظر في هاته الآيات يلحظ أنها تضمنت تسلية الرسول (لما يلاقيه من مضايقة من قومه، وكان ذلك في العهد المكي ولهذا كانت جميعها مكية إلا سورة الإنسان فمختلف فيها (1) ، والأظهر أنها مكية، كما يبدو من أساليبها ومعانيها (2) ، على أنه من العلماء من قال بمدينتها إلا قوله تعالى: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} إلخ (3) .

ولقد كان رسول الله (إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (4) ، قال ابن الأثير (ت606هـ) في ((حزبه)) : ((أي إذا نزل به مهم أو أصابه غمّ)) (5) ، فهذا منه عليه الصلاة والسلام أخذٌ بهذه الآيات (6) ، لما يجده في الصلاة من أُنس بمناجاة ربه، وإنما عبر بالسجود عن الصلاة لأنه حالة القرب من الله فيها السجود، وهي أكرم حالات الصلاة عند الله وأقمنها بنيل رحمته ولذة مناجاته (7) .

فالمقصود من الأمر بالسجود في هذه الآيات بالجملة هو الصلاة، وليس السجود المجرّد من الصلاة، وتفصيل ذلك في كل آية كما يلي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ} (الحجر/97-98) :

قال جمهور العلماء: وكن من المصلين (8) ، وعزاه ابن الجوزي (ت597هـ) إلى ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما (9) ، قال الطبري (ت310هـ) : ((وهذا نحو الخبر الذي رُوي عن رسول الله (: أنه كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة)) (10) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015