وقد اختلف العلماء في المقصود من السجود في قصة يوسف على النحو الذي في قصة سجود الملائكة لآدم، هل كان خضوعا مجردا؟ أو مع إيماء؟ أو كان انحناء كالركوع؟ أو هو السجود المتعارف عليه من وضع الجبة بالأرض (1) ؟
وأسباب هذا الاختلاف أن السجود لغير الله شرك محرم في دين الله في جميع الأزمان، فلذلك صرف لفظ السجود عن ظاهره وهو تعفير الجباه إلى ما دونه من التأويلات، والذي عليه الأكثر أن السجود على وجه التحية والتكرمة كان جائزا كسائر التحايا مما جرت عليه عادة الناس في التوقير والتقدير، لا على وجه العبودية، فكان السجود سائغا في الشرائع السابقة على هذا النحو، ولم يزل مباحا إلى أن جاء الإسلام فجعله مختصاً بالله تعالى وحده حماية لجناب التوحيد ومساواة بين الناس في العبودية والمخلوقية (2) ففي الحديث: ((لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي (، قال: ((ما هذا يا معاذ؟)) ، قال: أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، فوددتُّ في نفسي أن نفعل ذلك بك، فقال رسول الله (: ((فلا تفعلوا …)) (3) وفي بعض طرقه: ونهى عن السجود للبشر، وأمر بالمصافحة (4) ، وعن أنس بن مالك (ت93هـ) قال: قال رجل: يا رسول الله، الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: ((لا)) قال: أفيلتزمه ويقبله، قال: ((لا)) قال: أفيأخذ بيده ويصفحه؟ قال: ((نعم)) (5) .
وقد أجمع المفسرون أن سجود أبوي يوسف وإخوته على أي هيئة كان فإنما كان تحية لا عبادة (6) ، والأظهر أنه كان على الوجوه وليس انحناء ولا إيماء لقوله تعالى {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} (7) ، قال الجوهري (ت393هـ) : ((وخرَّ لله ساجدا يّخِرُّ خُرُورا أي: سقط)) (8) .