الجبال والشجر: نصّت آية الحج/18 على أن الجبال والشجر تسجد لله، وكذلك نصت آية الرحمن/6 على الشجر، ومعنى ذلك أن الله قد أودعهما فَهماً وإدراكا، فهي تسجد سجوداً تعبدياً حقيقياً لا نعلم كيفيته (1) ، وقال ابن جرير الطبري

(ت310هـ) : ((سجود ذلك ظلاله حين تطلع عليه الشمس وحين تزول، إذا تحول ظل كل شئ فهو سجوده)) (2) ، والأظهر كما سبق أن للجبال والشجر ونحوهما سجوداً آخر خاصاً بها، ولظلالها سجوداً آخر خاصاً بها. وليس في آية الحج/18 ولا الرحمن/6 ذكر سجود الظلال، قال ابن كثير (ت774هـ) : ((وقال مجاهد أيضا: سجود كل شئ فيه، وذكر الجبال قال: سجودها فيها)) (3) .

ومما يدل على أن هذا السجود غير سجود الظلال ما جاء عن ابن عباس (ت68هـ) رضي الله عنهما، قال: ((كنت عند النبي (، فأتاه رجل فقال:إني رأيت البارحة، فيما يرى النائم، كأني أصلى إلى أصل شجرة، فقرأتُ السجدة فسجدتُّ فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرا، واكتب لي بها أجرا، واجعلها لي عندك ذخرا، قال ابن عباس: فرأيت النبي (قرأ السجدة فسجد، فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة)) (4) .

الدوابّ: عامّ في جميع الحيوانات المميِّزة وغير المميِّزة (5) ، وهي داخلة بحسب اختلاف أنواعها فيما تم توضيحه آنفا. والله أعلم.

إنه لا شيء أدل من السجود على الطاعة والخضوع، ولا جرم أن إخبار الله بسجود هذه المخلوقات له حث للناس على توحيده وطاعته والسجود له، ولهذا استُحب السجود في السور الثلاث الأُول التي أخبر الله فيها عن سجود أهل السموات والأرض (6) .

واختيار صيغة المضارع في الآيات السابقة دلالة على تجدد ذلكم السجود واستمراره.

ثانيا سجود الملائكة:

ذكر الله تعالى في كتابه الكريم للملائكة نوعين من السجود: السجود لله تعالى طاعة وتعبدا، والسجود لآدم تكرمة وتحية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015