مجله المنار (صفحة 4)

التعريف بمنهج المنار

[المصدر: قرص مجلة المنار]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على المبعوث بخير دين، وعلى آله

وصحبه أجمعين.

وبعد ,,,

فإنَّ الشيخ/ محمد رشيد رضا عَلَمٌ مِنْ أَعْلامِ الإصلاحِ، ورائدٌ من رواد

التَّجديد، وأحد أقطاب المدرسة العقليَّة الحديثة في التفسير. له في الدعوة إلى

الله جهود مشكورة، وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسنات مبرورة، وفي

محاربة البدع والخرافة طريقة محمودة، وفي إصلاح الأزهر مواقف مشهودة، وفي

التأليف والكِتَابَةِ مُصنفات مشهورة، وكانت له في السياسة مشاركات ومحاولات.

وُلِدَ في قرية القَلَمُون قرب طرابلس الشام بلبنان عام 1282هـ , وتُوفّي

بالقاهرة عام 1354هـ , ودُفِن ـ رحمه الله ـ بقرافة المُجَاورين بجوارأستاذه

محمد عبده [1] نشأ ـ رحمه الله ـ نشأة صوفية , تتلمذ فيها على أبي حامد الغزالي

في إحيائه، وتَأَثَّرَ منذ نعومة أظفاره بأحد علماء الشام الأفذاذ؛ وهو الشيخ/ حسين الجسر , الذي أنشأ المدرسة التي فيها تخرج الشيخ رشيد رضا، وحصل على

شهادتها العالية، والإجازة في التدريس.

ثم إنه اتصل بالأفغاني ومحمد عبده؛ فنشأ نشأته الثانية:

عَقلانيَّة إِصلاحيَّة، بدأت عام 1315هـ، وفي هذه المرحلة أصدر مجلته المنار وكثيرًا من كتبه, وشرع في تفسير المنار وانتهى إلى الآية (101) من سورة يوسف.

وأما المرحلة الأخيرة من حياة الشيخ رشيد رحمه الله فتبدأ بوفاة شيخه محمد

عبده، وتستمر حتى وفاته منتحلاً مذهب السلف في الجُملة ومتأثرًا بالصوفيَّة

والعقلانيَّة في قضايا عديدة.

أما الدليل على انتحاله مذهب السلف ومنهج أهل السنة والجماعة فيتمثل في

أمور منها:

مخالفته في قضايا عديدة لمنهج المدرسة العقلية التي نشأ عليها في التفسير

وغيره، كما أفصح هو عن ذلك بنفسه [2] ، ومن ذلك عنايته بكتب السلف عقيدة

ومنهجًا حيث عُنِي بكتب ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم؛

حتى اشتهر بذلك وأسماه خصومه بالوهابي، ولعل سبب هذه التسمية أيضًا أنه

كتب مقالات عديدة في الدفاع عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، منها مجموعة

مقالات أسماها الوهابيون والحجاز شرح فيها دعوة الشيخ، وجَلَّى مبادئها وأهدافها،

كما كتب كتابًا رَدَّ فيه على خصوم الدعوة من الشيعة والرافضة، أسماه (السنة

والشيعة) أو (الوهابية والرافضة) .

وأخيرًا فمِمَّا يؤكد سلفيَّة مرحلته الأخيرة: أنه وقعت بَيْنَه وبين أتباع

وتلامذة المدرسة العقليَّة الحديثة العداوة والوحشة بسبب ما انتحاه الشيخ من مَنْحى

السلفيَّة، مما أذكى نار العداوة بينهم على صحائف الصحف والمجلات [3] .

وبحق فقد كانت عقيدة السيد رشيد رضا أصفى وأنقى في طورها الأخير، وأبعد

عن نظرات الاعتزال ومسالك العقلانيين.

وكما كانت عقيدته أسلم فقد كان مسلكه أقوم، فلم تعرف له صلات مشبوهة

مع الإنجليز، بل إنه فضح مخططاتهم وشنع عليهم في مواضع عديدة من مقالاته،

ولم يعرف أنه انتسب إلى الماسونية كما ثبت ذلك في حق شيخيه عبده والأفغاني [4]

ولقد حُمِدَ له تصديه لكتاب علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) [5] ومحاربته

لجمعية الاتحاد والترقي التي عملت على خلع السلطان (عبد الحميد الثاني)

وتقويض الخلافة، ووصف (مصطفى كمال أتاتورك) بالإلحاد والمروق من الدين [6]

وأصدر كتابه (الخلافة أو الإمامة العظمى) يدعو فيه بشدة إلى إعادة الخلافة

الإسلامية، وعقد مؤتمرًا عام 1343 هـ للدعوة إلى هذا الأمر [7] .

هذا وتُعَدُّ مجلة المنار التي أصدرها الشيخ بعد شهر واحد من مقدِمه إلى مصر

أكبر مجلة إسلامية في العالم الإسلامي بأسره، وأكثرها تداولاً وأعظمها تأثيرًا

وأبعدها صيتًا.

وصدرعددها الأول في 22 من شوال عام 1315 هـ وكان الشيخ يكتب

على صدرها: مجلة شهرية تبحث في فلسفة الدين وشئون الاجتماع والعمران.

ولقد عُنيت المجلّة بمحاور متعددة، فلم تقتصر على الأمور الشرعيَّة والدينيَّة،

بل أَفْرَدت مساحات للأدب والشعر والقصة، ونشرت مقالات عديدة عن السنن

الكونية والطب والصحة، ونقلت عن مجلات أخرى عيون مقالاتِها وبحوثِها

الجيدة، وشارك السيدَ رشيد في تحريرها نخبةٌ من الأعلام كالرافعي،

والمنفلوطي، وشكيب أرسلان، ومحمد الخضر حسين، وغيرهم.

وأخذت المجلة في حياة مؤسسها مكانتها في قلوب الناس وعقولهم، وامتد أثرها

إلى معظم أصقاع العالم الإسلامي. واستمر صدورها إلى وفاة مؤسسها في

1354هـ لتتوقف سبعة أشهر وتعود على يد علامة الشام الشيخ/ بهجت البيطار،

ثم توقفت أخرى ليعود صدورها على يد الشيخ/ حسن البنا حيث أخرج منها ستة

أعداد على مدى أربعة عشر شهرًا لتتوقف عن الصدور نهائيًّا عام 1359 هـ

/1940م.

وبحق فقد كانت المنار منارًا للإحياء والتجديد والتربية والتعليم، وقد

تصدت لقضايا الأمة بعامة، وعنيت بإصلاح العقيدة ومحاربة البدع والخرافة،

والاهتمام بشأن العلم المادي والتجريبي، والدعوة إلى إنهاض الأمة في جميع

المجالات، ولقد كانت بصمات الشيخ/ رشيد رضا على المجلة واضحة، فهو أكبر

محرريها، وأكثر من كتب فيها، بل جُلّ مقالاتها تُنسَب إليه شخصيًّا أو إلى المدرسة

التي انتمى إليها في المرحلة الوسيطة من حياته.

وكما سبق التنبيه فإن موارد الشيخ الصوفية والعقلانية والسلفية قد ظهرت

وانعكست بوضوح في كتاباته ومقالاته، وفيما يلي بعض الملاحظ المهمة التي لا

تخفى على الباحث المدقق، ويحتاج إليها عامة القراء والمهتمين بمجلة المنار من

حيث هي ديوان فكر للإصلاحيين، ونبضُ أُمةٍ في مرحلة من الانكسار، وتأريخ

لعدد من المساجلات العلمية والفكرية، ورصد لكثير من التحولات

المنهجية.

أولاً: بعض المآخذ العقدية على ما ورد في مجلة المنار

1- تأويل بعض الغيبيات:

ومن أمثلة ذلك مقالة نشرها الشيخ يذهب كاتبها إلى تأويل الميزان، وأن

المراد بالوزن هو القضاء العادل، وأن الكرسي له معنى مجازي كالعظمة والسلطة،

وأن النفخ في الصور كناية عن إعلان الأمر وإشهاره، ونحو ذلك من التأويلات

البعيدة للأمور المغيبة، والتي يتلخص موقف المسلم منها في الإيمان والإقرار بها

وإمرارها من غير تعرض لها بتأويل معتسف أو صرف للمعنى عن ظاهره

المراد. [8]

2- إنكار المهدي:

يقول الشيخ/ رشيد: " وجملة القول أننا لا نعتقد بهذا المهدي المنتظر، ونقول

بضرر الاعتقاد به " [9] . ويعلل هذا الحكم بأن الصحيحين ليس فيهما ذكر له، وأن

ابن خلدون أعل الأحاديث التي فيها ذكره، وأن هذا المعتقد كان سببًا في نكبات تقع

من أدعياء المهدية وما يتبع ذلك من سفك للدماء، وإزهاق للأرواح [10] .

ومما لاشك فيه عند أهل السنة أن أحاديث المهدي كثيرة مشتهرة بل بلغت

مبلغ التواتر عند بعض أهل العلم [11] فلا مجال إذن لإنكارها أو إبطال دلالتها.

3- التشكيك في الدجال:

يرى الشيخ/ رشيد أن عقيدة الدجال منافية لحكمة إنذار الناس بقرب قيام

الساعة وإثباتها بغتة، وأن ما أُعطي الدجال من الفتن والخوارق يفوق أكبر الآيات

التي أُيد بها المرسلون، وأن أحاديث الدجال متعارضة ومضطربة، وأنها

مصنوعة ومدسوسة، من عمل اليهود [12] .

ومعلوم أن الإيمان بدجال آخر الزمان هو جزء من الإيمان بأمارات الساعة

التي ثبتت بالصحيح المسند من الأحاديث النبوية، وعليها انعقد إجماع أهل

السنة والجماعة، وقد نقل تواتر أحاديثه الحافظ ابن كثير [13] والنووي [14] عليهما

رحمة الله.

4- إنكار كثير من المعجزات وتأويلها:

يذهب بعيدًا الشيخ/ رشيد في إنكار المعجزات، ويَعُدُّ مجرد رواية القرآن

لمعجزات الأنبياء السابقين سببًا لإعراض العلماء والعقلاء عن الدين الإسلامي،

ولولا رواية القرآن لتلك المعجزات لكان إقبال " أحرار الإفرنج " عليه أكثر، وأن

تلك المعجزات مثار شبهات، وتأويلات في روايتها وصحتها ودلالتها [15] .

ثم نرى الشيخ يدافع عن كتاب (حياة محمد) لمحمد حسين هيكل الذي جرد

النبي صلى الله عليه وسلم من جميع المعجزات إلا القرآن الكريم وينتصر له

انتصاراً عظيمًا [16] .

وتارة أخرى يُسْأَل في المجلة عن معراجه صلى الله عليه وسلم فيذهب: إلى

أنه رؤية منامية فحسب [17] .

وأما معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، قال الطحاوي:

والمعراج حق، وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم، وعرج بشخصه في اليقظة

إلى السماء، ثم إلى حيث شاء الله من العلا، وأكرمه الله بما شاء، ... ".

وقد أكد هذا المعتقد الحافظ ابن حجر في الفتح عن جماهير أهل السنة [18] . وعلى نفس المنوال نسج الشيخ/ رشيد في معجزة انشقاق القمر الثابتة بالقرآن

وأحاديث الصحيحين وغيرهما [19] .

وقد قال ابن كثير في تفسيره: وقد كان هذا في زمان رسول الله صلى الله

عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة [20] .

وقال الشوكاني: " ومع هذا فقد نُقِل إلينا بطريق التواتر، وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد، ويُضرَب به في وجه قائله " [21] .

5- الانحراف في الإيمان بالملائكة والجن:

نقل الشيخ رضا كلام أستاذه الشيخ عبده في هذا الصدد واستحسنه

ودافع عنه، وسوّى بين الملائكة والجن والميكروبات المسببة للأمراض والعلل

واعتبرها جميعًا من جنس واحد، وأن الجن ورؤيته هو أمر تخييلي ليس بحقيقي،

أقرب لخرافات وأوهام العرب وليس في الإمكان رؤيتهم إلا على اعتبار أنهم من

الميكروبات الدقيقة [22] .

وكيف تصح التسوية بين حيوانات غير مكلَّفة ولا محاسبة في

الآخرة، وبين الجن المكلفين بالأمر والنهي والمحاسبين في الآخرة وبين الملائكة

الذين هم لله طائعون وبأمره يعملون! !

ثانياً: بعض المآخذ الأصولية والمنهجية

1- الموقف من أحاديث الآحاد:

اضطرب موقف الشيخ/ رشيد من أحاديث الآحاد وحجيتها ومتى يُعمَل بها فتارة

يرى أن بعضها يفيد العلم وتارة يراها مفيدة للظن، وتارة يقبلها في العمل بدون شرط

أو قيد، وتارة يعلِّق ذلك على عدم معارضتها للعقل، أو على جريان العمل بها من

أهل القرون المفضلة، فأحاديث المعراج أحاديث آحاد فلا تفيد اعتقاد ثبوت ذلك،

وكذا أحاديث سحره صلى الله عليه وسلم لا تفيد ثبوت تلك الواقعة، ولمعارضتها لما

هو أوثق لديه! ! وكذا الأحاديث الصحيحة المتفق عليها في أن الشمس إذا

غربت تستأذن في السجود فيؤذن لها، معارضة عنده للحِسِّ والعقل. وغير ذلك من

المواقف المتشددة من السنة الآحاد [23] .

وقد وقف مثل هذا الموقف وأشد عندما أنكر حد الرجم فقال: وجملة القول

أنه لم يُرْوَ في هذا المقام حديث صحيح السند، إلا قول عمر في (الشيخ والشيخة إذا

زنيا) وهو من رواية الآحاد، ولذلك خالف الخوارج وبعض المعتزلة في الرجم

ولم يكفرهم أحد بذلك، وأنا لا أعتقد صحته، وإن ُروي في الصحيحين ".

ولاشك أن أهل السنة والجماعة على خلاف مع أهل البدع من المعتزلة وغيرهم في

هذا الأمر.

يقول ابن حجر: " قد شاع فاشيًا عمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد من

غير نكير، فاقتضى الإتفاق منهم على القبول ".

ويقول ابن أبي العز: " خبر الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول، عملاً به وتصديقاً

له، يفيد العلم اليقيني عند جماهير الأمة ".

وقال شيخ الإسلام: " السنة إذا ثبتت، فإن المسلمين كلهم متفقون على وجوب اتباعها ".

والصحيح الذي عليه أهل السنة: أن خبر الواحد تثبت به العقيدة، وما خالف

هذا القول فمُحْدَث، لا يثبت عن واحد من السلف.

2- الموقف من العقل:

لاشك أن من أكبر المآخذ على المدرسة العقليَّة الحديثة بعامة هو الموقف المبالِغ

في تقديم العقل على النقل، وقد وقع وجرى بسبب هذا الأصل البِدْعِيُّ شيء كثير

من المخالفات والبدع، بدءًا من التحسين والتقبيح العقليين، إلى ما لا ينحصر

من الجزئيات المخالفة.

وقد نقل الشيخ رشيد عن شيخه عبده في المجلة مواضع كثيرة من هذا المعنى

وأيده في أجوبته وفتاواه ومواقفه كثيرًا، ومن ذلك نقله عن عبده اتفق أهل الملة

الإسلامية - إلا قليلاً ممن لا يُنظَر إليه - على أنه إذا تعارض العقل والنقل أخذ

بما دل عليه العقل، وبقي في النقل طريقان: طريق التسليم بصحة المنقول مع

الاعتراف بالعجز عن فهمه، وتفويض الأمر إلى الله في علمه، والطريق الثانية:

تأويل النقل مع المحافظة على قوانين اللغة حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل. (وقال)

وبهذا الأصل الذي قام على الكتاب وصحيح السنة وعمل النبي صلى الله عليه

وسلم مهدت بين يدي العقل كل سبيل) . اهـ[24]

وهذا القول وأشباهه معلوم بطلانه، والأصل المستقر عند أهل السنة أن

العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، والعبرة في المسائل الاعتقادية هي صحة

الإسناد، وسلامته من العلل القادحة.

ولو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره،

ولاشك أن الإجماع المدعى غير صحيح ولا مقبول.

3- الموقف من أهل الكتابين:

يقول الشيخ رشيد في مقالة له بعنوان " شبهات المسيحيين على الإسلام،

وشبهات التاريخ على اليهودية والنصرانية " ما نصه: ".. كتبنا نبذة معنونة بهذا العنوان في الجزء الخامس ذكرنا في فاتحتها أننا طلاب مودة والتئام، لا عوامل نزاع وخصام، وأننا لا نود أن يطعن أحد من المسلمين والنصارى في دين الآخر" [25] .

ولاشك أن المودة منهي عنها بقوله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ... } [المجادلة: 22] الآية، فالمحبة والمودة لأهل الإسلام، والعدل والقسط لأهل الأديان.

ويقول في موضع آخر: وأما لفظ الكفر فيُطْلَق في عرف الكتاب اليوم

على الملاحدة،.. فمهما أطلقنا لقب (الكافر) أو اسم الكفر في كلامنا فنريد به

ما ذكرنا، ولا نطلقه على المخالفين لنا في الدين من أصحاب الملل الأخرى، لأنهم

ليسوا كفارًا بهذا المعنى، بل نقول بعدم جواز إطلاقه عليهم شرعًا، لأنه صار في

هذه الأيام من أقبح الشتائم وأجرح سهام الامتهان، وذلك مما تحظّره علينا

الشريعة باتفاق علماء الإسلام.. [26] .

ولا يخفى على متأمل ما في هذا من المخالفة لقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ

قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [[المائدة: 17] . وقوله تعالى:] مَا يَوَدُّ الَّذِينَ

كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ المُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة:

105] وغير ذلك من الآيات، وتحريم عدم إطلاقه شرعًا يحتاج إلى دليل، ونقل

الاتفاق على ذلك محل نظر.

4- موقفه من بعض الأشخاص:

يجدر بالذكر أن مورد الشيخ الصوفي جعله يحسن الظن بأمثال ابن عربي؛

فيذكره مادحًا ومثنيًا. ثم لما غلب عليه مورده السلفي انسحب من ذلك كله، ورد عليه

وبين ضلاله ونقل كلام الأئمة فيه.

كما أنه أثنى على ابن الفارض ولقبه بألقاب لا تجوز في حقه فكان

يقول: سيدنا، ورضي الله عنه، ورحمه الله، ونحو ذلك وربما نقل بعض كلامه

أو أشعاره [27] .

قال شيخ الإسلام: " ابن الفارض من متأخرة الاتحاديَّة، صاحب القصيدة التائية المعروفة بنظم السلوك، وقد نظم فيها الاتحاد نظمًا رائق اللفظ، فهو أخبث من

لحم خنزير في صينية من ذهب، وما أحسن تسميتها نظم الشكوك " [28]

وقال الذهبي: " عمر بن الفارض ينعق بالاتحاد تلويحًا وتصريحًا في شعره،

وهذه بلية عظيمة " [29] .

ولعل الشيخ/رشيد رجع عن هذا التعظيم في طوره الأخير.

كما أورد ثناءً على ابن سينا وإشاراته في الحكمة العقلية وبيان جلالة قدره،

مما يدل على أن هذا من أوضار العقلانية المفرطة.

وقد قال ابن حجر: وقد اتفق العلماء على أن ابن سينا كان يقول بقدم العالم،

ونفي المعاد الجسماني، فقطع علماء زمانه ومَن بَعْدَهم من الأئمة بكفره [30] .

وقال شيخ الإسلام: " وإشارات ابن سينا يعرف جمهور المسلمين

الذين يعرفون دين الإسلام أن فيها إلحادًا كثيرًا " [31] .

والظن بالشيخ رحمه الله أن يكون قد رجع عن هذا التعظيم الممقوت

لابن سينا وأمثاله.

ومما يُذْكَر على الشيخ اشتداده على بعض الثقات وجرحه، ككعب الأحبار

ورميه له بالزندقة، فيقول: " وقد حققنا من قبل أن كعب الأحبار من زنادقة

اليهود.. " [32]

وقد ذكره أهل العلم في الثقات كابن حبان، وأثنى عليه بعض الصحابة كأبي الدرداء ومعاوية.

ومثلُ كعب - عند الشيخ - وهب بن منبه، وقد وثقه أيضًا كلٌ من أبي

زرعة والنسائي والذهبي وابن حبان وأخرج له البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي

والنسائي.

وأخيرًا

فإن هذه الملاحظ ـ على كثرتها وتعددها وما ترتب عليها من آثار في اتساع

البون بين المدرسة العقليَّة ومنهج أهل الحق والاتباع ـ لا تمنع باحثًا بصيرًا قادرًا

على التمييز بين الصواب والخطأ من الاستفادة من المنار، ومن آثار محررها،

والكمال لله وحده، والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، وإنما الأعمال

بالخواتيم.

نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى مغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ

إلى الله تعالى من البدع وأهلها، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله

وصحبه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015