مجله المقتبس (صفحة 909)

يتحقق به ما يدخل معدته وما يخرج منها. وهكذا تقدم هذا السري غيره يقرون في الأقلال من الطعام ولكنه لم يذكر الطريقة التي كان يمضغ بها فقويت بذلك صحته كثيراً وفي السبعين من سنة حدث له حادث مربع من عربة فقضقضت أعضاؤه وتهشمت جمجمته فحكم الأطباء بأنه هالك لا محالة ولكنه لم يلبث أن شفي. ولقد أراد أن يزيد طعامه بعض الشيء فمرض وعاد إلى التقشف في أكله ولم يعد يغضب ووجد راحة في فكره وأصبحت أخلاقه دمثة وحالته إلى النشاط والبهجة. وفي الثالثة والثمانين من عمره وضع كتاب ذكر فيه الطريقة التي ينبغي الجري عليها لتطول الحياة بلا أسقام ونشر أيضاً ثلاثة مصنفات في هذا الموضوع ومات في السابعة والتسعين وقال بعضهم في الثامنة بعد المئة.

ومن عهد هذا الرجل كثرت الأمثلة المشابهة لحاله وأنا اقتصر على إيراد حدثها فأقول أن الرحالة يوحنا شاركو الذي نزل من السفينة في رحلته الأخيرة إلى القطب الجنوبي في جماعة من رفاقه ليتوغل في الجنوب لما كان توزيع الطعام موكولاً إليه أخذ يعطي كل فرد من رفاقه نصف جرايته بدون أن يقول لهم أنه نقصهم من طعامهم فلم يشك أحدهم جوعاً وكانوا على ما ينالهم من التعب مسرورين ولم يمرضوا وبذلك تيسر له أن يطيل أمد هذه الرحلة حتى إذا كانوا في العودة وقد بقي معه قسم عظيم من المؤن أنشأ يعطيهم الجراية تامة أي الجراية المظنون أنها ضرورية للإنسأن فأصيبوا كلهم إذ ذاك بسوء الهضم.

وهنا سؤال وهو كم يقتضي للمرء من الجراية ليعيش على أقل تقدير. فأقول أن ذلك يرجع إلى أمور منها قامة الإنسان ووزنه ثم البلاد التي يعيش بها والجنس الذي ينسب إليه والعمل الذي يتعاطاه. وقد قام التواتر بتجارب مدققة للغاية في هذا الباب فأخذ رجلاً زنته 60 إلى 70 كيلو غراماً وكان يعيش في حرارة 17 درجة ويمتنع من كل عمل لا جدوى فيه وجعله في غرفة ووزن ما يدخل إليه وما يخرج منه بأدوات كثيرة منوعة كما وزن تنفسه وقدر جميع أعماله وأعطاه من الغذاء ما يولد فيه الحرارة اللأزمة إذا كان لا عمل له فرأى أنه في حاجة إلى 2250 من الكالوري في كل ساعة هذا إذا كان لا عمل له أي إلى 33 من الكالوري في الكيلو غرام فالشبان يحتملون الإفراط في التغذية فلا يحدث من ذلك فيهم سوى زيادة في حرارة الجسم وعرق غير اعتيادي وحاجة غير معتدل وليس كذلك في الشيخ والرجل الذي بلغ أشده وفي جميع من لم تكن بنيتهم على حالة حسنة فإن الإفراط في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015