قوم خدع انظر إذا قدمت عليهم فلا تبيعن لهم كسوة شتاء ولا صيفاً ولا رزقاً يأكلونه ولا دابة يعملون عليها ولا تضربن أحد منهم سوطاً وأحداً في درهم ولا تقمه على رجله في طلب درهم ولا تبع لأحد منهم عرضاً في شيء من الخراج فإنا إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفو فإن أنت خالفت ما أمرتك به يأخذك الله به دوني وأن بلغني عنك خلاف ذلك عزلتك. قال: قلت أذن ارجع إليك كما خرجت من عندك قال: وإن رجعت كما خرجت قال: فإنطلقت فعملت بالذي أمرني فرجعت ولم انتقص من الخراج شيئاً.
وقد منع عمال الصدقة الجباة عن قبول الهدية والصدقة قال أبو يوسف استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقال له ابن اللتيبة على صدقات بني سليم فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي إلي قال النبي عليه الصلاة والسلام على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا قعد في بيت أبيه وبيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفسي بيده لا يأخذ أحد منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته أما بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رؤي بياض أبطيه فقال اللهم هل بلغت.
ولما كان أمر جباية الأموال من أهم الأمور التي يجب تجنب الظلم والاعتساف وحفظ راحة العامة والخاصة قال أبو يوسف أن تتخذ قوماً من أهل الصلاح والدين والأمانة فتوليهم الخراج ومن وليت منهم فليكن فقيهاً عالماً مشاوراً لأهل الرأي عفيفاً لا يطلع الناس منه على عورة ولا يخاف في لومة لائم ما حفظ من حق وأدي من أمانة احتسب به الجنة وما عمل به من غير ذلك خاف عقوبة الله فيما بعد الموت تجوز شهادته أن شهد ولا يخاف من جور في حكم أن حكم فإنك إنما توليه جباية الأموال وأخذها من حلها ونجنب ما حرم منها أن يرفع من ذلك ما شاء ويحتجن منه ما شاء فإذا لم يكن عدلا ثقة وأميناً فلا يؤتمن على الأموال إلى أن قال: وقد يجب الاحتياط فيمن يولى شيئاً من أمر الخراج والبحث على مذاهبهم والسؤال عن طرائقهم كما يجب ذلك فيمن أريد للحكم والقضاء وتقدم إلى من وليت أن لا يكون عسوفاً لأهل عمله ولا محتقراً لهم ولا مستخفاً بهم ولكن يلبس لهم جلباباً من اللين يشوبه بطرف من الشدة والاستقصاء من غير أن يظلموا أو يحملوا ما لا يجب عليهم ثم قال: ولتصير مع الوالي الذي وليته قوماً من الجند من أهل الديوان في أعناقهم