المحاسن والفوائد لا يزال بعضها يعرف بالتقليد ويكتب بلسان التقية على أن العالم لا دين له ولا نزعة. أما الجرائد السياسية فتكاد تكون نمطاً واحداً في إنشائها وأخبارها. ناهيك بما في بعضها من التضارب في الآراء والمذاهب. ولو خلت من هذه الشائبة وكان لها مواد وافرة تستعيض بها عن تجسيم الأخبار وبناء قبة من حبة لكان فيها خير ذخر ينفع العقول ويقودها إلى مهيع السداد وجواد الأسعار. وليس العلم كالسياسة في مسائل المغالطة والسفسطة فإن جوزهما فريق في السياسة حباً بالمصلحة فإنهما لا يسوغان في العلم بحال من الأحوال.
يعيب المغاربة على المشارقة تقلبهم في مآربهم وحركاتهم. وهذا التقلب محسوس في بعض جرائدنا فإنها كدوارة الهواء في الأفكار تنتسب اليوم إلى حزب وتستميت في الدفاع عنه حتى إذا لم تصادف من ورائه مغنماً أو تؤنس من أهله فتوراً تنقلب عليه وتنسى اليوم ما ذكرته أمس. وليس معنى هذا أني لا أقول بالأحزاب فإن الاختلاف بين الناس ضروري على شريطة أن يخلص صاحب المبدأ في أقواله وأفعاله ويعتقد صحته ويتفانى في نصرته دون أن يغمط حق خصمه ويغض منه. وحبذا لو طرحت مسائل التشيع للأحزاب جانباً واشتغل أرباب الجرائد السياسية في بث أدب وفضيلة وتأييد كلمة حق نافعة. وما التحزب للأحزاب لو أنصفنا إلا ضربٌ من ضروب الخراب وكل بيت ينشق على نفسه يخرب. وما أشبه بأهل البصيرة أن يخففوا من هذه النغمة فقد ضربوا على وترها أعواماً والحال ما استحالت، والأقوال ما نجعت، بلى ازدادت النفوس اشمئزازاً والصدور إيغاراً. ومن سوء طالع هذه البلاد أن معظم بنيها لا يرون الأمور بل لا يريدون أن يرونها إلا من جهة واحدة.
ومن الغريب دعوى بعضهم في أن غير هذه البضاعة في العلم والسياسة لا تنفق في سوق الأمة لأنها ما فتئت في الجهالة غارقة والصحيح أن التاجر الماهر يصرف ضروب السلع في معرض بضاعته إذا أجاد مصنوعاته وأحسن بياعاته. ألا ترى إلى رواج أنواع من الصحف ما كان يحلم برواجها. تهيأ لها الرواج عندما صحت عزائم القائمين بها وأخلصوا القصد في نشرها ولا يضر العمل الصالح إذا تصدى بعض ضعاف العقول إلى التزهيد في خطته فما قط اجتمعت كلمة العامة والخاصة على استحسان شيء وكذلك لا يضر الصحف