الأمم في أول نشأتها تحتاج إلى كتم أمرها وضم أطرافها والتماسك في كل أحوالها خوف عدو قاهر ومليك مقتدر وعدة ضخمة وعدد؟؟ من مال ورجال حتى إذا استحكم أمرها وأصبحت كفؤا لمناوئها تظهر ما كانت تضمر وتقدم إقدام الاتيي على الوادي وتلوب على من تضمه إليها وتكثّر به سواد قومها. وهكذا حال الأفراد فإن العالم أو صاحب الدعوة إذا كان في مبدأ شأنه بين قوم يخاف بادرتهم إذا فاتحهم بأفكاره يخفي شيئاً مما يكنه ضميره حتى إذا اشتدت شكيمته واستحكمت مُنّتُه واستجاش له أنصاراً وخاصة يقبلون ولو جانباً من أفكاره وعلمه يتدرج في بث دعوته فيبدأ بالضعاف أو المستضعفين إلى أن يصل إلى الأقوياء والعظماء. وهذا الضرب من الكتمان يسمى التقية مشتقة من أتقاه أي خافه وهي ضد العلانية. عادة راجت ولا تزال رائجة في المشرق خصوصاً بين المغلوبين المخالفين أمام الغالبين الظالمين ولكم ذهب بها فيما غبر أرواح رجال لم يحسنوا استعمال التقية ونجا بها أناس جعلوها شعراً يلبسونه ومجناً يتقون به عادية من يخالفونهم أو يريدونهم على العلم بما لا يعتقدون به من علم ورأى ونحلة.
جاء الرسول العربي عليه الصلاة والسلام فقام يبث دعوته وتحمل فيها صنوف الأذى والإهانة ولما كثر أنصاره ومريدوه من المهتدين وخاف امتداد الأذى هاجر إلى المدينة وهناك أقام على تلقين اليقين علانية. ولذلك أجمع رأي الصحابة على عهد عمر بن الخطاب لما أرادوا التأريخ أن يبدأوا من سنة الهجرة لأنه الوقت الذي حكم فيه الرسول على غير تقية فأكن الدور الأول ما كان إلا لتأسيس ما بدأ ظهوره من الدعوة في المدينة فلم يحسبوه. وقد جاء في القرآن آيات تدل على الأخذ بالتقية وآيات على عكسها بحسب المناسبات.
قال الخازن في تفسير قوله تعالى: {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ} أي ألا أن تخافوا منهم مخافة ومعنى الآية أن الله نهى المؤمنين عن مداراة الكفار ومداهنتهم ومباطنتهم إلا أن يكون الكفار غالبين ظاهرين أو يكون المؤمن في قوم كفار فيداهنهم بلسانه وقلبه مطمئن بالإيمان دفعاً عن نفسه من غير أن يستحل دماً حراماً أو مالاً حراماً أو غير ذلك من المحرمات أو يظهر الكفار على عورة المسلمين. والتقية لا تكون إلا