سألته عن المُقْرب فأجابها بأنها امرأته وإذ أيقنت أنه لا ينالها إلا التعب والبرد ونسيت ما ستناله من الأجر والشكر وما يترتب على عملها من خدمة الإنسانية لم يسعها إلا أن تظهر أسفها واعتذرت بمرض اعتراها منذ أسبوع فدلت على أنها عارية من عواطف الرحمة مجردة عن الإنسانية التي كانت توجب عليها أن تسعى إلى تخليص تلك البائسة من خطر الموت ومن يدر كم من النساء اللواتي ذهبن لجهلها وعدم اعتنائها بقواعد الصحة. وكم سمعنا ورأينا من النساء اللواتي فارقن الدنيا بسبب الوضع لجهل القابلات وقلة عنايتهن.
انفصل صاحبنا عن باب الداية وعينه تقذف قطرات الحنو الزوجي ممزوجاً بحسرة البؤس البادي على صفحات خديه وذهب إلى قابلة أخرى فسألته عن الأجرة فأخبرها بما في مكنته أن ينقدها إياه من الدراهم فامتنعت واعتذرت ثم قالت إنها لا تخرج من منزلها العامر إلا بأجرة وافرة فأخذه البكاء وذهب إلى عجوزة عرفت بعمل الخير لها خبرة بالتوليد فاستنهض همتها وأخبرها بما جرى له مع تينك القابلتين فأسفت لحاله ولعنتهما ولعنت الزمان الذي قل عم الخير فيه وأخذتها الحمية والحماسة الشرقية فذهبت معه على الفور وأجلست خديجة على الكرسي وأخذت تعالجها وتحمسها وتقرأ لها ما تيسر من القرآن وتتوسل بالأدعية على عادة العجائز التقيات. فلما حانت الساعة السابعة بعد منتصف الليل وضعت خديجة غلاماً سُر به أبواه وسمياه سعيداً تفاؤلاً بأن ينالهما السعد بهذا وقرأا الفاتحة على هذه النية ومن العادات التي لا خلاص منها إكرام القابلة بضروب الحلواء والفاكهة ولم يكن عند صاحبنا درهم واحد ليقوم بهذه العادة فرهن قدراً له وأتى ببعض المآكل قدمها للقابلة وانصرفت واعدة إياه بالمجيء كل يوم لتتم إحسانها.
2
أخذ سعيد ينمو يوماً فيوماً وغدا سلوى أبويه في بؤسهما ومحط آمالهما وكانت مياومة أبيه لا تقوم بنفقة عياله فحسن لديه أن يُستخدم في كتائب الدرك لينال ثلثمائة قرش مشاهرةً فقدم طلبه والتمس تعيينه وساعده على ذلك بعض أهل الخير فعين نفراً وظن أن ما تم له من الخير ناله بيمن طالع سعيد ابنه فأمل فيه خيراً وزادت محبته له وكان أحمد حسن المنزع مهذب الأخلاق عُرف بالأمانة فاتخذه زعيم الدرك علي باشا وكيلاً على منزله وأحله منه محل الثقة وطفق يحسن إليه وإلى سعيد ابنه وكان قد بلغ ابنه السادسة من عمره فظهرت