الشعرية ولا سيما الشعراء بعضهم عن بعض وفي ذلك مسرح لخيال الشعراء ومجال لأحكام أفكارهم الدقيقة في التفاضل وإليك والآن بعض ما صرح به بعض المدققين من هذه المآخذ أوعن لنا قال المجي في خلاصة الأثر: أن قول لطفي بن المنقار الدمشقي:
ظعنّ والقلب في ركائبهم ... يخفق والجسم للضنى نهب
من فوق خلي وضعت يدي ... فلم أجده وصدها اللهب
هو أدق من قول المتنبي:
ظلت بها تنطوي على كبدٍ ... نضيجةٍ فوق خلبها يدها
وقال أبو العلاء المعري:
يُنا في أبن أدم حال الغصون ... فهاتيك أجنت وهذا جنا
تغير حناؤه شيبه ... فهل غير الظهر لما أنحنى
فأخذه الآخر وتصرف بمعناه بحسب خياله فقال وقد أخرجه مخرج الحكمة وأجاد حتى فضل الأول رشاقة:
يا من يدلس بالخضاب مشيبه ... إن المدلس لايزال مريبا
هب ياسمين الشيب عاد بنفسجاً ... أيعود عرجون القوام قضيبا
ومن أبيات الحماسة في هذا الباب قول أحدهم:
أن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا
صمٌ إذا سمعوا خيرّا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوءٍعندهم أذنوا
جهلاً عليّو جبناً عن عدوهم ... لبئست الخلّتان الجهل والجبن
ومنه تناول القائل قوله (ولي إذن عن الفحشاء صماً) والآخر (إذن الكرام من الفحشاء صماء) ولكن بعضهم زاد على المعنى فقال وله الفضل بالسبق في التقسيم:
مستنجدٌ بجميل الصبر مكتئب ... على بني زمن أفعالهم عجب
أن يسمعوا الخير أخفوه وإن سمعوا ... شراً لشاعوا وإن لم يسمعوا كذبوا
إلى غير ذلك ما يدل على تفاضل الخيال وتفاوت التصور ويرجع إلى جودة القريحة وصفاء الذهن وفوق كل ذي علم عليم.
(زحلة)