مجله المقتبس (صفحة 674)

شاه إيران

فقدت بلاد فارس صاحبها الحكيم ومدبرها العظيم وأباها البر الرحيم الطيب الذكر مظفر الدين شاه. توفاه الله في الشهر الماضي عقيب مرض طالت به برحاؤه واشتدت عليه بلواؤه. داء النقرس والكليتين. فشق نعيه على كل من عرف ما لاقته أمته في عهده من صلاح الحال وحسن المآل.

ولد في 14 جمادى الثانية سنة 1269 وأمه أميرة من الأسرة المالكة ولما شب أخذ في تلقينه العلوم الابتدائية ثم نصب وهو يافع ولياً للعهد وجعل والياً على أذربيجان وأقام في قاعدتها مدينة تبريز معهد أولياء العهد في الحكومة الفارسية وهناك أخذ يتلقى اللغات والعلوم فاحكم منها الفارسية والعربية والتركية والفرنسية وحذق الرياضيات والعقليات والتاريخ والجغرافيا وفن المدفعية وبقي يمارس أعمال الإدارة تسعاً وثلاثين سنة كان في خلالها مظهر العطف والرأفة ومثال العدل والحكمة حتى يروى أنه كان يقول لا وليت ملكا أبناؤه فيه عبيد.

تولى عرش السلطة في 23 ذي القعدة سنة 1313 وإبان فيها عن دراية واسعة ولقد حاول لأول أمره أن يدخل إلى بلاده من الإصلاحات ما تأمن به عوادي الأغيار ويعيش أهلها في نعيم وغبطة لكنه حاذر من نفوذ رجال الدين والإشراف في مملكته وتعصبهم الذي يمازحه جهل بالحديث وجمود على القديم فعزم أن يمهد لذلك بأن يرحل إلى أوربا ويصحب معه زمرة من رجال قصره وأكابر دولته ليروا بأعينهم ما في الغرب من حضارة رافعة وانتظام شامل فيعودوا وقد تشبعوا بفكر الإصلاح ويكونون يده اليمنى في العون عليه ولكن لم يجد منهم في رحلاته الثلاث ما كان يتوقعه وانصرف هناك معظمهم إلى شهواتهم وما خصوا للنظر فيما يقصد إليه مولاهم ولا نزراً من أوقاتهم ولا أعاروه نظرة من التفاتهم.

حتى إذا كانت هذه السنة نزع جماعة من الأمة في طهران إلى الثورة ولجأ قسم منهم إلى السفارة الإنكليزية وهاجر قسم إلى الأماكن الطاهرة في العراق أو يدخل الشاه الإصلاح المطلوب وعندها وجد وسيلة إلى منح الأمة ما كان يجول في صدره منذ سنين فمنحها الدستور وشرع لها قاعدة الشورى الإسلامية ولقد خاف أن يدركه الأجل ولم تستحكم من مجلس الأمة قواعده ولما اشتد عليه المرض دعا إليه ولي عهده وأمره بأن يوقع على ورقة كان ألقاها إليه فوقع عليها بدون أن يراها تأدباً وقال له هذا هو الدستور الذي منحناه للأمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015