والحقول والمروج والغابات والأنهار والبحار أحسن مدرسة للإنسان يتعلم فيها من شؤون الحياة وانقلابات الكون مالم يتعلمه في الكتب والمدارس.
والغني الذي يغتنم الفرصة من أوقاته لإجراء سياحة في البحر بقاربه أو لاقتطاف الأزهار المنعشة وصعود الجبال والسباحة في الأنهار يكون قلبه على الأغلب طافحاً بالسرور مع ارتقاء في صحته لأن مشاهدة الطبيعة أحسن غذاء وأجمل شراب ينعش القلوب والأفكار لاشبهة أن حصر الأوقات بالألعاب هو حياة لا لذة فيها فيجب على الإنسان أن لايضيع الطرب والأنس موضع أعماله الحياتية فيهمل بيته وحرفته وينبذ المطالعة ومزاولة العلوم والفنون ويميل بكليته إلى الألعاب بل يسير بنفسه في جادة الاعتدال والاستقامة فينال مستقبلاً زاهراً ونجاحاً باهراً. ومن الفكاهات والمسرات ما هي كاذبة وصادقة وقد سألوا سقراط الحكيم عن المسرات الصادقة فأجاب: هي النظر إلى الألوان الجميلة والمناظر البديعة وتشنيف الإسماع بالأصوات والألحان المطربة فإن ذلك يولد في النفس شعوراً رقيقاً.
تختلف اللذائذ من بعض الوجوه ولكنها متفقة في حب البدائع والافتتان بالجمال غير أن الأستاذ فيليب يقول أن مايسر ذوي الأرواح هو الفرح والذوق والفكاهة أما أنا فلا أرى أيهم بل اعتقد أن العقل والذكاء والحافظة والرأي السديد هو أحسن للإنسان في حاله ومستقبله من جميع اللذائذ التي يميل إليها والأذواق الحقيقية لا تنحصر أبداً فالعائلة والأصدقاء والمعاشرة والكتب والموسيقى والشعر والصنائع والألعاب والراحة وجميع ألواح الطبيعة كالصيف والشتاء والصباح والمساء والليل والنهار والحرارة والبرودة والشمس والزوابع والمزارع والغابات والأنهار والبحيرات والبحار والحيوانات والنباتات والأشجار والأزهار والأوراق والأثمار لاتؤلف إلا جزءاً صغيراً من هاتيك اللذائذ إذا لم تكن حياتنا سعيدة فنحن المسؤولون أمام أنفسنا فنيل السعادة قائم بإرادتنا وعزمنا غير متوقف على أسباب خارجية كما يزعم ضعفاء العقول فالسعادة والشقاء والفقر والغنى والصحة والمرض أثر من آثار إرادة الإنسان فإن جهله يورث الكون خساراً أعظم من خسائر الزوابع والزلازل والحوادث الجوية. إن الغني القوي الإرادة يستطيع أن يكون سعيداً وغنياً صحيح البنية عالي المقام بين أبناء جنسه.