ويكثر في لسان العلماء والفصحاء دوران بازيار وبيزار جمعوها في التكسير والتصحيح على بيازرة وبازياريين وبازيارّية. على أن للعرب الأقحاح أن يستعملوا مكان بازيار الأعجمية لفظة بياز العربية الصرفة دلالة على اتساع ذرع لغتهم وعدم ضيق عطفها في شيء وقد قالت العرب في قياس قولهم بيّاز صقّار وعقاب لقيم الصقورة والعقبان كما قالوا في هذا الباب كلاب وفهّاد وفيّال ونحو ذلك وهو متداول مشهور. وإنما أضاف اللغويون صناعة البيزرة إلى البزاة مع أنها تتناول غيرها من الجوارح لأن البزاة أجرأها وأجزاها وابتغها أثراً في الصيد. وقد كان لهذا العلم عندهم شأن خطير.
علم البيزرة عند العرب
تلقى العرب صناعة البيزرة على ما يظهر من آثارهم عمن تقدمهم والمرجح أنهم عرفوها أولاً بسليقتهم واختبارهم لمزاولتهم تغرية سباع الطير. على أن ملوكهم فضلوا الصقور على ما دونها وقلما روي شريف من العرب يستحسن حمل الباز لأن ذلك من عمل (البازيار) بخلاف الصقور والشواهين. ولا يدري لذلك علة إلا أن الصقر عندهم عربي والباز أعجمي ثم لما نضجت مدنيتهم أضافوا إلى ما عندهم ما وجد في كتب اليونان والفرس والرومان عن هذه الصناعة فسبيلهم فيها سبيل البيطرة وقد تلحق بها وتعد بمكان الفرع منها. وما أوثق لحمة النسب عندهم بين البيطرة والبيزرة أو بين طب الخيل أو طب الطير بل وطب الإنسان. فكل طب. وربما دونّوا الثلاثة في ديوان وأشركوها في عنون.
وقد مضى لهذه الحرفة شان كبير في حدثان ما كان من دولة العباسيين فبلغ من عنايتهم بها وأهلها أن رسموهم في الأعطيات والفرائض فأخصبوا وأفادوا أكثر من كثير في المهنة وأرباب الصناعات حتى قالوا إن البيازرة أغنى ممن يبتاع منهم وجاء في قائمة نفقات المعتصم (سنة 279 - 295) خمسمائة دينار مشاهرة أصحاب الصيد من البازياريين والكلابزيريين وثمن الطعم والعلاج وقيل كانت مياومتهم سبعين ديناراً.
ثم أن هذه الصناعة نفذت فيما نفذ من علوم المشرق إلى الأندلس بالمغرب فعني بحملتها بعض أمراء تلك الديار منهم نجم بن طرفة (سنة 330) الملقب صاحب البيازرة وهو على ما يظهر من أهل التأنق في المعيشة. ولما لم تكن البيزرة من الصناعات الضرورية التي عمت بها البلوى عندهم تراجعت وتأخرت وقلت بل انتفت تدريجياً دراستها من حيث أنها