وحده فقط بل على الحيوان أيضاً والتّجارب التي أجراها العلماء تؤيّد هذه الحقيقة. إنّ ألفراشة التي تعيش متطايرةً في حدائق الورد لتسكرها تلك القطرات المترقرقة على اوراق الأزهار الملوّثة المفتّحة في فصل الربيع، وإن القردة لتشرب المسكر من يد سقاتها بكل لذّة وشوق ولا تزال تعوي وراء أولئك السّقاة تستعطفهم ليزيدوها من هذا المسكر حتى تصل إلى جدران المدينة، والخيل إذا سقيت المسكر يقوى بها الشّبق الشّهوةوتعدو كثيراً ولهذا ترى فرسانها يحرصون كلّ الحرص على سقيها المسكرات قبيل السّباق، ولكن هذا الحيوان المسكين لا يلبث أن يسقط فيما بعد مريضاً، حتى أن الحمر ليمرضها تناول الجرعة الواحدة منه.
يوجد في بلادنا اعتقادٌ غريب وهو أن المسكر يصلح أن يكون دواءً لبعض الأمراض وهذا بناءً على بعض روايات باطلة يعزونها إلى أطبّاء اليونان، لا، إنّ هذا الاعتقاد من الأمراض السّارية فالمسكرلم يكن في وقت من الأوقات نافعاً للحياة.
وأعود فأكرر القول بأنّ المسكر سمّ قاتل لأنّه يبيد الحجيرات الدّماغية وانّه يأتي إلى العروق وإلى أدق الأعضاء وألطفها فينخرها. يبحث بعضهم عن فائدة تعاطي المسكربكميّة قليلة. وهذا يصلح أن يكون نموذجاً لإغلاط ألفكر الإنساني، نعم، إنّ كل القرابين التي قُدِّمت من بني الإنسان لهذا السّم بدأت أولاً تتعاطاه قليلاً قليلاً ثمّ تمكّن منهم وعُدّوا فيما بعد من صرعاه. وإنّ كل الجنايات والفضائح في العالم كله أثرمن آثار المسكر.
في الغرب لا يتناول المسكر إلا الطبقات السفلى من البشر أمّا عندنا فإنّ كبار الأسرات تضعه على موائدها بين الأطعمة المغذّية وبين مختلف النّقول. وإنّ هذا الخائن الذي يُطرد اليوم من كلّ الممالك وُجِد له بين ظهرانينا مباءة صالحة. وأهم ما يجب عمله على الحكومة بلا شبهة أن تمنع تعاطي المسكر بين موظّفيها بصورة قطعية. المسكر لم يكن منذ زمن قريب معروفاً عند الأهلين وإنّما تسرّب إليهم من بعض الأورام المهاجرين من بلاد اليونان للإتجار في بلادنا فإنّ هؤلاء كانوا السببفي تفشّيه بين شبابنا في عامة الأنحاء فتراه اليوم يباع في الأناضول في كل مدينة وقصبة وقرية ومزرعة ومن المُحَقّق أنّه بعد مدّة يصبح دواء هذا الخطر من أعقد المسائل وعليه فينبغي اتّخاذ الأسباب اللاّزمة من الآن والتّحيّل لرد هذا العدو الأزرق الذي يسمّ النّسل ويضربه ضربة قاضية لا يقوم منها أبداً. رشدي