كنتم تعرفون هذه اللغة كما تعرفون الإفرنسيَّة لسهل عليكم اقتباس المواد التي تحتاجونها إلى كتابكم وكشف حقائقٍ عن تاريخ عمران بلادكم. ثم انقلبنا بعد شهرين إلى بلاد المجر واجتمعنا بالعلاَّمة غولدصير المستشرق المجري وهو كالسّنيور كويدي من أئمة المشرقيَّات في الغرب المشار إليهم بالبنان فسألنا في خلال الحديث ونحن نسترشده لإيجاد موادًّ لكتابنا إذا كنّا نعرف الألمانية فقال لنا مثل مقال صاحبه الإيطالي وزاد تلهفنا كثيراً قوله أن معظم ما نريده في هذا الموضوع مكتوبٌ محضَّر بهذه اللغة لا يحتاج إلا إلى ترجمةٍ ونشرٍ
ولا عجب أن أصبح اللسان الألماني مصدراً لنا في تاريخ أمّتنا ونحن أمّةٌ متأخِّرة في مضمار العلم فالألمان لكثرة الأخصّائيين في كلِّ شيءٍ عندهم أصبحوا حجّةً في العلوم والآداب في الغرب كلِّه ويكفي أن أهم كتب الطِّبِّ في اللغة الإنكليزيَّة منقولة عن مؤلفي الألمان وأهمُّ كتب الفلسفة عند لفرنسيس مترجمةٌ عن علماء ألمانيا وفلاسفتها وانَّ زهاء نصف ما نُشر باللغة العربيَّة من آداب قومنا وتاريخهم وعمرانهم ولسانهم نشره الألمان وعلَّقوا عليه الشُّروح والحواشي والتّحقيقات الممتعة والفهارس النَّافعة والباقي نشره الأمريكان والإنكليز ولفرنسيس والرّوس والطّليان والإسبان والسّويسريّون والنّمساويّون والمجريّون والهولنديون والسّويديّون وغيرهم من أمم الحضارة وكان علينا بعد أن انتشرت تجارة ألمانيا في العالم ونازعت التجارة الإنكليزيَّة الأميركيَّة وغيرها أن نسعى إلى أن نحذق هذا اللسان كما حذقنا الإفرنسيّة والإنكليزيّة حديثاً وحذقنا الإيطاليَّة قديماً وتعلَّم بعضنا الرّوسيّة واليونانيَّة وإلى اليوم لا يوجد سوى أفراد قلائل تحقّقوا بأجزاء هذه اللغة من رجال الجيش العثماني أو من سكان فلسطين وسورية ممن درسوا في مدارس القدس وحيفا ويافا وحلب وكلها معاهد في التعليم جديدةٌ نشأت وارتقت بعد استحكام صلات التقّرب بين ألمانيا والعثمانيّة وبعد إنشاء الخطِّ البغدادي ومسيس الحاجة إلى موظفين من أبناء هذه البلاد الألمانية كما يعرفون العربية والتركيّة. فقصّر الألمان وقصّرنا في نحن أيضاً في هذا السّبيل.
ومن الأسباب التي قعدت حقيقة باللغة الألمانية عن الانتشار في هذه الديار أيضاً أن بروسيا كانت كألمانيا اليوم تحب أن ترقي بنفسها وجيرانها أولا والأقربون أولى بالمعروف وكانت من الدول الثانوية في الغرب فلما أصبحت ألمانيا بالوحدة الألمانية دولة كثيرة الحصا كبيرة