الخطابة نوع من منثور الكلام يأخذ من النثر تصوير الحقائق وإبلاغها النفوس من دون أتعاب ذهن ولا تكلف في الأداء ومن النظم سلاسته وتأثيره في النفس وقد كانت العرب في جاهليتها تقدم الشاعر على الخطيب بفرط حاجتها إلى الشعر الذي يقيد مآثرها ويفخم شأنها ويهول على عدوها ومن غزاها ويهيب من فرسانها ويخوف من كثرة عددها ويهابها شاعر غيرها قال أبو عمرو بن العلاء فلما كثر الشعراء واتخذوا الشعر مكسبة وتسرعوا إلى أعراض الناس صار الخطيب عندهم فوق الشاعر وكان لكل قبيلة شاعر كما كان لكل واحدة خطيب. الخطب والوصايا متقاربة يقصد بالأولى قوم لا على سبيل التعيين والتخصيص فتكون في المشاهد والمجامع والأيام والمواسم والتفاخر والتشاجر أمام العظماء والملوك والأمراء والوفود وفي الصلح وإشهار الحرب وفي الخطوب والنوازل أما الوصايا فتكون لقوم بعينهم في زمن مخصوص على شيء منصوص وربما كانت من شخص لأهل بيته أو سيد لقبيلته عند حلول مرض أو أجل أو هجرة في الأرض
(3) الخطابة والأنبياء
ذكروا أن العرب عنيت بالخطب في جاهليتها أكثر من عنايتها بها في الإسلام ولم يظهر لنا سر هذا لأنا رأينا هدي النبيين والمرسلين على خلاف ذلك رأينا الرسول صلوات الله عليه لم يتعلم الشعر وما ينبغي له وكان سيد الخطباء بلا مراء وكلامه خطب وحكم وبسيرته الشريفة اقتدى كبار الصحابة والتابعين والخلفاء والملوك والمرشدين والعلماء العاملين ولكن كثر الشعر أكثر من الخطب لأن الشعر أقرب إلى تقييد المآثر والتأثير ولأنه يحتمل من الخيال والمحال مالا يحتمله الخطاب بحال من الأحوال قال صاحب (الريحان والريعان) إن ما تكلمت به العرب من أهل المدر والوير من جيد المنشور ومزدوج الكلام أكثر مما تكلمت به من الموزون إلا أنه لم يحفظ من المنثور عشرة ولا ضاع من الموزون عشر لأن الخطيب إنما كان يخطب في المقام الذي يقوم في مشافهته الملوك أو الحالات أو الإصلاح بين العشائر أو خطبة النكاح فإذا انقضى المقام حفظه من حفظه ونسيه من نسيه بخلاف الشعر فإنه لا يضيع منه بيت واحد قال ولولا أن خطبة قسس بن ساعدة كان سندها مما يتنافسه الأنام وهو إن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رواها عنه في اطار ذكرها ما تميزت هما سواها قال القلفشنديبعد إيراد ما تقدم وليس ما أشار إليه لرفض النثر عندهم