حتى لا يسمعوا خطباً لاقتها الألسن منذ قرون وليس فيها شيء من النفع ولقلة المجيدين بل المتوسطين في هذه الصناعة غداً الناس يسمون خطيباً كل من يرفع عقيرته ولو كان جاهلاً عامياً بل أمياً غبياً وعلى العكس رأينا في بعض البلاد خطباء بعض المساجد مجودين في الجملة يقولون ماله معنى في الوغظ والإرشاد قد حببوا غشيان المساجد لمن كانوا لا يعرفونها وبتأثير الإخلاص والإجادة والكلام بحسب طبائع القوم وحاضر العصر كثر العاملون بأحكام الدين القائمون بتكاليفه وبلغت حالة الانحطاط في ضعف البيان وفسولة الرأي والحجة بأكثر خطباء الجوامع ومنهم الأميون الذين لا يكادون يقرأون الكتاب إن أصبحت نصف خطبهم زهداً في الدنيا على غير طريقة السلف المشروعة والنصف الآخر دعاء يحفظونه لا يحرمون منه كلمة ثم هم يدعون بأدعية مردودة في الشرع شأنهم في بيان فضائل الشهور والأيام والبلدان والجوامع حتى خطب بعضهم وكان حشوياً جلجلونياً في أعظم جامع في هذه البلاد عند إرادة الحث على تجديد بنائه فقال إن الصلاة فيه تعادل ثلاثين ألف صلاة وأورد لذلك أحاديث لا تعرفها إلا عقول الرضاعين والقصاصين ولطالما خطبوا أن من صام يوم كذا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر إلى غير ذلك من البدع والفضول التي لم تأت بها شريعة الرسول وقد أنكرها أئمة ألفقه والعلم من المتقدمين والمتأخرين ولاسيما شيخ الإسلام أبن تيمية وابن قيم الجوزية المتوفى سنة (751) وابن الحاج المتوفى سنة 737 ولو كان الخطباء على جانب من فهم أسرار الشريعة وعرفة طرق البلاغة وما يصلح الناس ما عالجوا من الموضوعات ما يرجع بالناس القهقرى هذا في الخطب الدينية فهي أيضاً تتصرف على ذاك النحو نصفها تجميدات ومقدمات واعتذارات وسخافات واستطرادات منوعات ولو محصت لما بقي منها إلا التافه اليسير من المعاني أم تأثيراتها في الأفكار فضعيف جداً ولعل هذا النقص البين يتلافاه أساتذة المدارس الابتدائية والوسطى والعليا بتمرين طلبتهم أبداً على الإلقاء وممارسة الكلم ألفحل يوم الحفل وفي النوازل والأمور العامة فينشأ من هذا الجيل فئات تسد هذا النقص المحسوس المشاهد في طبقة رؤساء الدين ورؤساء الدنيا ويمرن الجميع على كتابة ما يريدون الخوض فيه وعلى استظهاره أو إلقائه على نحو ما سارت الأمم الحديثة والأمم القديمة الراقية فينبغ فيها خطباء ووعاظ ومرشدون داووا جهالة شعوبهم بأساليب القول الجزل والمنطق الخلاب