في صغار التابعين فمن بعدهم. وأما أصحاب التابعين فعلى المراتب المذكورة ووجد في عصرهم من يتعمد الكذب أو من كثر غلطه وغلظ تخبيطه فترك حديثه. وهكذا أورد مشاهير المحدثين وذكر عن كل فرد منهم بإيجاز ما قيل فيه. وحبذا لو صرفت العناية إلى إحياء كتب الجاحظ الذهبي في هذه الديار فإنها كلها عقود منظومة نافعة ولا نذكر أنه طبع له سوى ثلاثة كتب جليلة الأول تذكرة الحفاظ طبع في حيدر آباد الدكن من الأصقاع الهندية والثاني كتاب ميزان الاعتدال في نقد الرجال طبع في الهند أيضاً والثالث المشتبه في أسماء الرجال طبع في ليدن. وحبذا يوم يطبع كتابه تاريخ الإسلام.
والرسالة الخامسة رسالة في حكمة الله تبارك وتعالى في خلق العالم وخصوصاً الإنسان وتكليف الناس للعبادات وهي لحجة الحق عمر الخيام. وهذه الرسالة فيما نحسب أول ما طبع بالعربية لهذا الفيلسوف الشرقي الكبير الذي ترجم ديوانه الفارسي إلى الإنكليزية فأقامت معانيه أدباء الإفرنج وأقعدتهم وأحلوا محل الاعتبار العظيم لعلو فلسفته ما أحلوا شعر حافظ الشيرازي وأبي العلاء المعري عندما ترجم إلى لغاتهم. ولما لم يشتهر الخيام بين قراء العربية رأينا أن ننقل الترجمة الموجزة التي ذكرها له صاحب تراجم الحكماء وما لا يدرك كله لا يترك كله. قال القفطي في الخيام: أمام خراسان. وعلامة الزمان. يعلم علم يونان. ويحث على طلب الديان. بتطهير الحركات البدنية: لتنزيه النفس الإنسانية. ويأمر بالتزام السياسة المدنية. حسب القواعد اليونانية. وقد وقف متأخرو المتصوفة مع شيء من ظواهر شعره فنقلوه إلى طريقتهم. وتحاضروا بها في مجالساتهم وخلوتهم. وبواطنها حيات للشريعة لواسع (في الأصل لوامع) ومجامع للأغلال (لعله الإصلاح) جوامع. ولما قدح أهل زمانه في دينه. وأظهروا ما أسره من مكنونة. خشي على دمه. وأمسك من عنان لسانه وقلمه. وحج متأقاة لا تقية. وأبدى أسراراً من السرائر غير نقية. ولما حصل ببغداد سعى إليه أهل طريقته في العلم القديم. فسد دونهم الباب سد النادم لا سد النديم. ورجع من جده. إلى بلده يروح إلى محل العبادة ويغدو ويكتم أسراره ولابد أن تبدو. وكان عديم القرين في علم النجوم والحكمة. وبه يضرب المثل في هذه الأنواع لو رزق العصمة. وله شعر طائر تظهر خفياته على خوافيه. ويكدر عرف قصده كدر خافية فمنه:
إذا رضيت نفسي بميسور بلغة ... يحصلها بالكاد كفي وساعدي