من نسائنا فإذا كانت النسبة مفقودة بين ابن العاشرة وابن الخمسين فهلا تكون المسافة بين حالنا وحالهم أطول وأجزل.
إننا في درس المدنية الغربة نأخذ ما تهيأ لنا وتمثل لأنظارنا بادئ الرأي ولو أردنا استقصاء البحث لاقتضى علينا أن نصرف السنة والسنتين لندرس حال مدينة واحدة من مدنهم فما بالك بالمملكة أو الممالك. ينفد العمر ولا تنفد مادة الكلام عن رقي الغرب وكلما تأملنا معاهدة وحللنا مادة قواه نبكي لضعفنا وقوتهم وجهلنا وعلمهم ونكاد ندخل في اليأس المميت من تحسين حالنا لولا أن اليأس محرم وأن التاريخ يحدثنا أن أمماً كانت أحط منا منزلة فارقت لما صحت عزائم بنيها على إنهاضها والأمم لا تموت إلا إذا أسلمها بنوها العارفون للموت.
مواد هذه المدنية التي تأخذ بالعقل والقلب كثيرة ومن أهمها تقدم الغربيين في بيوتهم عنا ورقي الأسرة هنالك وانحطاطها هنا والمملكة التي تتألف من بيوت راقية هي التي تحرز شوطاً أبعد من غيرها وما الممالك الراقية إلا مجموعة بيوت راقية والكليات تتألف من الجزئيات ومن تماسكت أجزاء مادته كانت أسبابه أقرب إلى القوة الطبيعية.
كل من يدخل مدينة من مدن الغرب ويختلط بسكانها بعض الاختلاط فلا يبقى مقتصراً في معلوماته على حياة الشارع والمطعم والفندق والمسرح والقهوة والأماكن العمة يجل في مذكرته أمثلة لا يكاد يحصيها في رقي الأسرة الأوروبية تجسمت في جميع حالاتهم أي تجسيم وحامل المسك لا يخلو من العبق.
تحمل مدنية الغرب في مطاويها حسنات وسيئات ولكن حسناتها تربو على سيئاتها فترى فيها ألفضيلة التي بزت ألفضائل والرذيلة التي تربو على مجموع الرذائل ولكن المليح يغطي وجه القبيح فكأن شعار المدنية الحديثة الارتقاء في كل شيء والجمع بين المتناقضات أما الشرق فهو وسط أو دون الوسط والوسط والدون لا يكادان يعملان عملاً محموداً في هذا الوجود.
أذكر لكم أمثلة ثلاثة من عشرات الأمثلة وقعت العين عليها في باب ارتقاء الأسرة الغربية تمثل أدوار الأعمار وأدوار البيوت. المثال الأول أسرة فرنسية مؤلفة من والد ووالدة وطفلتين وطفلين من سكان الولايات من أهل مقاطعة الجورا على الحدود السويسرية