وهو سوري وكل إليه إصلاح بلاد الفيوم المصرية فكتب كتابه هذا في وصفها ومزاجها وهوائها ومائها وخلجانها وسكانها وبدوها وحضرها وبحرها وأسماء بلادها وجوامعها ومساجدها وأديارها وكنائسها وغلتها وثروتها وارتفاعها بلداً بلداً وجعل ذلك لسنة 641 وهي السنة التي أمر بالنظر في الفيوم وعقيبها ألف هذا الكتاب والغالب أن المؤلف أصيب بمرض الأب وأخذه الحنين إلى نابلسه وصفده ولعلهما كانتا أمر من الفيوم إذ ذاك فقال في آخر كتابه: اللهم خلد ملك مولانا السلطان وانصره وارزقني عاطفة من عواطفه أعود بها إلى وطني واسكن إلى سكني ألاقي بها سرور النفس وأفاق من قارنته من غير الجنس.
قال المؤلف في مزاج الفيوم وهو قول شف عن كبرياء فيه له ما يماثله من كبرياء العمال في هذا العصر بل وفي كل عصر وما هو إلا دليل ترفعهم عمن كان يجب عليهم الاختلاط بهم من السكان وإصلاح ما اختل من أحوالهم أن كان بأيديهم الرفع والخفض والإبرام والنقض: ولقد رأيت سكان مدينة الفيوم نفسها كأنهم وحش في صورة بني ادم ليس فيهم ولا بهم انس يستوحش الجالس في جمعهم ولا يستأنس الوافد في ربعهم حتى إنني وجدت الوحشة بدخولي إليها والانفراد بمقامي فيها حتى كتبت لبعض الناس من أبيات:
اشتقت فيها الناس حتى لقد ... ناديت وأشواقي إلى الناس
وأنشدني بعض الناس لشاعر دخل إلى الفيوم بيتين وهما:
يا حبذا بلد الفيوم من بلد ... كجنة الخلد انهاراً وأشجاراً
الله يعلم أني مذ حللت بها ... وجدت داراً ولكن لم أجد نارا
فأجبته في الحال بديهاً
إن قال من سكن الفيوم آونة ... وجدت داراً ولكن لكم أجد جارا
فإنني لم أجد مذ جئتها أحداً ... من الذي قال لا داراً ولا جارا.
ولا يتحركون بحركة إلا بمحرك مثل البهائم يقيم الواحد المشهور منهم المدة الطويلة في بيته ولا يخرج من داره ولا يعرف ما الناس فيه ورأيت من أقام بها من الغرباء فطالت مدتهم يلحقه من حيث لا يشعر والانفراد يوجب الوحشة ويكدر الروح الحيواني ويقتضي تردد العفن في المواضع التي هم بها والرطوبة عليها غالبة فيتراجع العفن إليهم يستنشقونه مع الهواء الذي يجد الحرارة الغريزية والروح الحيواني فيكدره وتقوى السوداء عليهم