1
انتدب القائمون على وقف المحسن كارنجي الأميركي جماعة من أهل النظر والإنصاف والعلم من الانكليز والألمان والفرنسيس إلى وضع تقرير في الفظائع التي ارتكبت في حرب البلقان الأخيرة بل في الحربين الأخيرتين فقامت اللجنة المؤلفة لهذا الغرض بما كان الواجب على الدول الممدنة أن تقوم به فكانت خدمتها عظيمة جداً لأبناء الأجيال المقبلة قاموا بذلك وهم على مثل اليقين بأن خدمة الحق المجرد توشك أن تسخط العالم كله.
وقد عهد بتأليف هذه اللجنة إلى المسيو دستور تل دي كونستان من كبار المفكرين في مجلس الشيوخ الفرنسوي فتوخى أن يكون من تقرير هذه اللجنة فائدة اقتصادية كبرى لتلك الحكومات التي تقاتلت وتطاحنت فتكون واسطة للسلام بين الأنام وتسعى الحكومات إلى إصلاح خطئها الظاهر ويحقق المتحاربون آمال الرأي العام الأوربي الذي لا يريد أن يبقي جزء من أوربا معطلاً في حين يستطيع أن يشارك حق المشاركة في الارتقاء العام الذي آخذ مجراه من أوربا في كل مكان وقد طافت هذه اللجنة بلاد البلقان من بلغراد إلى سلانيك فأثينة فالاستانة فصوفيا ومن صربيا إلى يونان إلى مقدونية إلى العثمانية إلى تركيا إلى بلغاريا.
ظهر من مجموع تحقيقات اللجنة أن جميع الحكومات مسؤولة عما أتت من الفظائع أن الجيش الروماني الذي لم يحارب في الحقيقة حرباً تشبه حرب المتخالفين من البلقانيين قد ثبت عليه إتيان المنكرات وجميع المتحاربين خالفوا المبادئ الجوهرية من الحقوق العمومية المتعلقة بالحرب.
وقد نشرت لارفو الافرنسية فصلاً لدستور نل دي كونستان قال فيه: ما قط جاءت العبرة أصرح ولا أفظع مما جاءت هذه المرة فإن الشعوب التي طالما اضطهدت في شبه جزيرة البلقان قد أتت باتحادها بأعمال لم تستطيع أوربا القادرة المنشقة على نفسها أن تتصورها فاستولت في بضعة شهور على كريت وسلانيك واسكوب واشقودرة وادرنة وأوشكت أن تدخل الأستانة وكان ذلك خاتمة المطاف وآخر حل للخلاف.
فلما انحلت رابطتهم قضي عليهم أن يبقوا وضعف قواهم. فإن الحرب الثانية ليست في الواقع حلاً للأشكال بل هي مقدمة لعدة حروب بل حرب كل ساعة وأفظع الحروب بل