سويسرا كنيسة يصلى فيها أهل مذهبين من مذاهب النصرانية وجريدة هي لسان حال حزبين مختلفين الحزب المحافظ والحزب المتطرف الاشتراكي فالقارئ يحكم على آراء الفريقين المتخاصمين من العدد الواحد.
لا جرم أن القرون الخالية وحوادث الأيام قد دربت السويسريين طويلاً على الحرية وقلبتهم بين الشدة والتسامح أزماناً فصاروا يقدمون نعمة السلام والوئام وما تعقلهم الحال إلا ثمرة نضجت على مهل بعد أن ذاق أصحابها في انتظارها وتكييفها على هذه الحالة نصباً. حرية العمل وحرية الاشتراك في سويسرا متعادلتان فمن هذه نشأ الاعتراف بنقابات العمال وبحقوق اعتصابهم ومن تلك نشأ احترام المعتصبين لحق المخالفين لهم في الإضراب عن العمل ومع هذا تجد الاعتصابات أقل مما هي عند الأمم الصناعية الأخرى والأجور تزيد بزيادة غلاء الحاجيات وارتفاع أسعار الكماليات لأن العملة يتفاهمون ويجتمعون على الدوام مع زعمائهم. وكذلك حق حماية سويسرا للمظلومين ولا سيما السياسيين فإنه أرقى مما عند الأمم الأخرى ولكن سويسرا لا تحمي القاتل وكثيراً ما تعمد بعض مقاطعاتها إلى إخراج السفاكين وأرباب الدعارة من غير أبنائها إلى خارج الحدود.
يبدأ تلقين الحرية وتطبيق حقوق الوطني عند السويسريين منذ عهد المدرسة الابتدائية. وليس في سويسرا على الجملة مدارس داخلية بل إن الطلبة الذين يرحلون من قراهم وبلادهم للتعليم يدخلون بيوت الأسر حتى لا يعيش التلميذ منذ صغره عيشاً متكلفاً كعيش المدارس الداخلية لا مثيل له في الحياة ولا يخضع لقوانين جائرة وهو الذي يحتاج في بدء نموه إلى الهواء والشمس والانطلاق. ومن علماء التربية هنا من بالغوافي منح إعطاء الطلبة حريتهم وأنشأوا لهم مدارس التربية الذاتية أو الحكم الذاتي فيتألفون أولاداً من سن الثانية عشرة إلى السادسة عشرة جمهوريات حرة ينظمون بينهم أمرهم والمعلمون لا يعملون إلا أن يلقوا عليهم الدروس وذلك لتلقين الأولاد الاستقلال والحياة العمومية. فالأولاد يختارون رئيسهم وهيأتهم الإدارية وأمين صندوقهم ويكون اختيارهم حسناً جداً في الأغلب ويجيدون في مناقشة القانون الذي يضعه مديرهم وتصح أحكامهم في عقوبة المخالفين لنظامهم فلا يسرق شيء من مال الصندوق ولو كان الأمين عليه في الثانية عشرة من عمره تحدثه نفسه أن يبتاع ببعض الدريهمات حلواء أو شكولاتا أن ملبساً يأكلها أو كرة