يجعلون على تدريس تلك المدارس طبقة مختارة في الجملة من العلماء.
ومن العلماء من كانوا قيمين على المدارس ومنهم القيمون على خزائن الكتب ومنهم على المستشفيات والزوايا والمساجد والأوقاف والضياع السلطانية ومنهم القائمون على الأرصاد والمراصد والسفراء إلى الملوك المجاورة وكل هؤلاء كان يوسع عليهم في مشاهرتهم وإداراتهم.
أما الإفرنج في القرون الوسطى فكان المفضل على علمائهم باباواتهم وكرادلتهم وبطارقتهم وأسقافهم وقسوسهم ثم بعض المنورين من ملوكهم وأعيانهم فلما جاء الدور الحديث وأنشئت في الغرب المجامع العلمية والجمعيات المنوعة والكليات والمدارس العليا أصبح العلماء يأملون الرز من اللحاق ببعض هذه الأوضاع وكثير من جمعياتهم جعلت لها مبلغاً سنوياً خصته بمكافأة المجيد في فنه والواضع فيه كتاباً أو المخترع فيه اختراعاً وبعد أن كان أهل الخير في القرون الماضية يحبسون الأموال ويقفون الضياع والعقار على إقامة البيع والكنائس أصبحوا الآن يجعلونها على الجمعيات والنقابات والجامعات وقد كان لأغنياء أميركا الشمالية في ذلك القدح المعلى فأنشئوا بثرواتهم الطائلة يفضلون على المعاهد الخيرية لتتعهد هي الأفراد المستحقين من العلماء والباحثين المخترعين.
ومعظم العلماء والأدباء اليوم في الغرب يتكلمون في جلب معاشهم على قوتين ديمقراطيتين التأليف والتمثيل ساعد عليهما قوتان مهمتان انتشار الطباعة وكثرة المسارح 0وهاتان القوتان قائمتان ولا شك بإقبال الجمهور المتعلم فمن وفق إلى أن يصادف كتابه ومقالته أو قصيدته أو قصته إقبالاً من الناس يشتهر ومتى اشتهر فهناك المجد الأثيل والمال الجزيل وأنت ترى أن المجتمع العربي كان محروما من قوتين الطباعة والتمثيل ولذلك كان المتعلمون فيه أقل مما هم في المجتمع الغربي لعهدنا وكانت قوة الظهر عند العلماء الأمراء والأغنياء والنابغة منهم كان على ثقة من أنه يحيا بتأليفه في حياته ومماته حياة مادية ومعنوية.
قال ميمون بن هارون: قلت للجاحظ إلك بالبصرة ضيعة فتبسم وقال: (إنما أنا وجارية وجارية تخدمها وخادم وحمار. أهديت كتاب الحيوان إلى محمد بن عبد الملك الزيات). فأعطاني خمسة ألاف دينار وأهديت كتاب البيان والتبيين إلى ابن أبي داؤد فأعطاني خمسة