الكثيرين منهم قد اشتهروا بهذا الأمر اشتهاراً عظيماً ولم يزل الأهالي حتى اليوم يعظمون ذكرهم ويقدسونهم.
وفي كل سنة يرأس الإمبراطور حفلة عظيمة يقيمونها في عيد الطبيعة الذي يقع في اليوم الثالث والعشرين من الشهر القمري الثالث حساباً صينياً وهو يوافق أواخر شهر آذار وقد وضع هذا العيد أحد الملوك من سلالة هان الذين حكموا الصين قبل المسيح بألف ومئتي سنة وتقام هذه الحفلة في بكين عاصمة الصين بمظاهر فخمة.
ويستعد الإمبراطور لهذه الحفلة بصوم ثلاثة أيام متوالية وفي اليوم المعين يذهب إلى هيكل الزراعة العظيم المشيد في وسط العاصمة ومن خلفه ما لا يعد من جماهير الأهالي ومن حوله أمراء الأسرة المالكة مرتدين أبهى ملابسهم الحريرية يتقدمه أربعون شيخاً من كبار المزارعين وأربعون شاباً لابسين ملابس غريبة مصنوعة من القش.
والهيكل مبني وسط سهل فسيح وقد أقيم فيه أربعة مذابح لعبادة السماء والأرض والمشتري وشنبون وهو من أقدم ملوك الصينيين وأول من علم شعبه منافع الزراعة وأمرهم بتكريمها فيتقدم الإمبراطور نحو المذبح المخصص لعبادة السماء فيركع أمامه ثلاثاً ويضع عليه هدية من الأثمار ثم يدنو من محراث أصفر ذهبي اللون يربط به ثوران يذبحان بعد انتهاء الحفلة ويقدمان ضحية للسماء فيقبض عَلَى المحراث بيمينه وعلى السوط بيساره ويرسم في الأرض ثمانية خطوط وفي أثناء هذه الحفلة ينشد الكهنة صلاة مختصة بإكرام الطبيعة.
ويحرق الثمانون فلاحاً الذين يحضرون هذه الحفلة أثمن البخور في مجامر ثمينة ويضعون من الحبوب التي تنتج في الأثلام التي حرثها الإمبراطور ورجال حاشيته وأقراصاً يتركونها مدة ثلاثة أشهر عَلَى المذبح المخصص لعبادة السماء.
وهيكل الزراعة من أغرب بنايات بكين يعلقون عَلَى جدرانه أو يضعون عَلَى قواعد رخام فيها كل الآلات والأدوات والملابس التي يستعملها كل من اتخذ الفلاحة حرفة له ويضعون في الجهة اليمنى كثيراً من القبعات التي يلبسها الأهالي وأسواطاً منوعة ومكانس ومجارف وصناديق لحفظ الغلال ومذاري خشبية ذات ثلاث شعب يستعملها المزارعون لتذرية الأرز كل هذه الآلات يصبغونها باللون الأصفر وهو اللون المخصص للإمبراطور فلا يجوز لسواه من الأهالي استعماله.