مجله المقتبس (صفحة 5709)

ليس من يجهل تاريخ هذه الجمعية التي حارب رجالها الحقيقيون سلطة عبد الحميد فصبروا عَلَى الضيم، وعرضوا بنفوسهم للهلاك وأملاكهم وثروتهم للنهب والسلب ففارقوا أوطانهم عَلَى أكتنفتهم سماؤها، وجمعتهم أرضها هرباً من سلطان المستبدين ووطأة سلطته عليهم، ومع ما كانوا عليه في ديار الغربة من قلة الأنصار وضيق أيديهم لم ييأسوا من تخليص هذه الأمة من تلك السلطة الجائرة، ولم يلبثوا ردحاً من الزمن إلا واستمالوا عظام رجال الدولة إلى تأييد مبادئهم ونشر أفكارهم، وقد عظم أمرهم جلالة وازداد شأنهم خطورة بدخول كثير من الضباط وقادة الجيش في حزبهم، فتوصلوا بهؤلاء الرجال إلى استمالة الجيش كله وتنفيذ مقرراتهم، ولما تم الأمر لهم أعلنوا الدستور في 10 تموز سنة 1908 في مناستر غير ملتفتين إلى معارضة عبد الحميد ورجاله، عند ذلك استبشرت الأمة وتلقت أفعالهم بارتياح وفرح لا مزيد عليهما فتأسست لهذه الجمعية أندية في كل ولاية ولواء بل في كل قضاء وناحية منذ ذلك التاريخ، وكان عدد أعضاء الاتحاد بادئ الأمر يناهز ألفي سنة كلهم من سادت البلاد وكبارها وعلمائها وأشرافها، ولكن هذا العدد يتناقص رويداً رويداً حتى لم يبق فيها إلا بعض أناس تمسكوا بمبادئهم، ولم يزل النادي مفتحة أبوابه إلا أن الترددين إليه قليلون ولما عاد أمرهم إلى النجاح عاد أغلب الذين كانوا قد تبرأوا منه.

4ً نادي الحرية والائتلاف.

كانت قوة المعارضين في السنة الأولى والثانية من إعلان الدستور ضعيفة لا يعبأ بها، وذلك لشدة شغف الناس بالدستور، ومكانة ثقتهم برجال الاتحاد، ولما دخلت السنة الثالثة قويت شوكة المعارضين بما انضم إليهم من شبان العرب الأذكياء وقادة أفكارهم، وكان لهم في المجلس ما يناهز 50 نائباً أكثرهم مبرزون في فنون الخطابة، ويتضلعون من علوم الاجتماع وانضم إليهم كثيرون من نواب العناصر غير المسلمة لاشتراك مصالحهم وارتباط مقاصدهم وألا وهو إعطاء العناصر حقوقها فأخذت فكرة المعارضة منذ ذلك الحين تنتشر انتشاراً رائعاً في معظم الأقطار العثمانية وكانت مقصورة عَلَى بعض شبان الأمة ممن رضعوا أفاويق العلم وتشربت قلوبهم بالمبادئ الحرة، ولكن ما لبث ذلك زمناً قصيراً إلا وعم سائر الطبقات، وشعرت الأمة بأسرها بضرورة تقوية المعارضين الذين انشأوا حزباً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015