مجله المقتبس (صفحة 5468)

وفي كل مدرسة مكتبة فاستعيروا من كتبها وابتاعوا كل مدة كتاباً ولا تكثروا بل اكتفوا بثلاثة أو أربعة كتب في السنة فالكتب اليوم رخيصة وبضعة فرنكات تكفي لأن تؤلفوا منها مكتبة حافلة بالجملة وتصبحون مثالاً لأبناء الطبقة الوسطى ممن لا تحدثهم أنفسهم أن يبتاعوا كتاباً واعتنوا مهما كان نوع المسكن الذي تسكنون فيه أن تنصبوا لكم لوح خشب تضعون عليه كتبكم وغطوها لتأمن من الغبار واللوثات. ومن اللائق أن تكون الكتب مغطاة أحسن تغطية وإن تقدمتم قليلاً في السن عودوا أنفسكم تلاوة الجرائد فتجدون في جرائد الشعب مادة تنيرون بها عقولكم في الحوادث العظمى التي تجري في بلادكم وبلاد العالم أجمع.

أننتم هنا من أبناء المزارعين وستكونون كذلك في المستقبل والشتاء والليالي طويلة في المزرعة فالأولاد يرقدون في فراشهم والحيوانات في حظائرهم ولا شيء يشغلكم في الليل فكيف بقضاء الوقت النافع وقد كان الزارع في القديم يحيك كزوجته جوارب وغيرها وقد أهملت هذه العادة. وقيل لي أن عادة قضاء السهرات والزيارات بين الجيران قد بطلت أيضاً. دقاق الساعة يروح ويجيء في السكون فكأنه يعيد الحياة قطرةً قطرة ويقول عند كل دقة ها قد سقطت نقطة أخرى والمرء من وراء ذلك يكتئب ويمل. ولكل حرفة ساعات من الملل تشبه هذه.

افزعوا إذا انقطعتم عن العمل لتلاوة كتاب واقرأوا بصوت جهوري وكرروا ما تقرأونه فقد كان خالي في هذه القرية عشاباً فلاحاً وهو يتلوا قصص لافونتين آونة فراغه لم يبق عَلَى غيرها من كتبه المدرسية فكان يتلوها بتدبر في خلواته وجلواته بصوت عال وبأدبها تأدب وبحكمتها قضى حياة طيبة أوقات الفراغ فدفعت عنه الملل.

أما أنتم فعصركم عصر لا يجوز فيه اللغو فقد طويت المساوف في الأرض وكانت من قبل واسعة الأطراف بحيث تكفي المرء الآن بضعة أسابيع ليطوفها وبعض الثواني لنبعث بفكرنا بل بصوتنا إلى أبعد ألوف من الكيلومترات وقد قربنا من السماء والنجوم قريبة من مجهر الراصد والتبحر بما فيها من الأودية والجبال المرسومة عَلَى خارطة كأنها تشير وتنادي ببحاثة يبحث فيها. وقرب ما بين القطبين الشمالي والجنوبي وأرباب الرحلات اقتربوا منها والجبال قد خرقت وجعلت في بطونها الأنفاق والطيارات تحوم من فوق قممها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015