ولما تمت لإيطاليا وحدتها لم ترى لها نصيباً في المغانم في أرض أوربا فوجهت وجهتها منذ ثلاثين سنة إلى أن تضع يدها عَلَى ما لم يكتب له الاستعمار الأوربي من حوض المتوسط فرأت أولاً أن تبعث بالفقراء من أبنائها في صقلية وسردينيا إلى تونس إذ قد رأت فرنسا قبضت عَلَى قياد الجزائر وإسبانيا عَلَى الريف وإنكلترا عَلَى مصر ولكن سرعان ما أخفقت أحلامها بإعلان فرنسا حمايتها عَلَى تونس سنة 1881 فبقيت أمامها طرابلس الغرب ولكن لم تجرأ أن تحلم بها ولذلك أبعدت في أطماعها بادئ بدءٍ فأرادت الاستئثار ببلاد الشاطئ الشرقي من أفريقية فكان فيها مراسلوها وعلمائها دعاة لما تريد إيطاليا القيام به.
وإذا كانت مصر عَلَى قربها من إيطاليا وغناها وعراقتها في الإسلام مما يكون الخطر كانت هي أول غاية انصرفت إليها كهنة الطليان وتجارهم وكانت إيطاليا منذ القرن السادس عسر مركزاً لتعليم الآداب القبطية وقد أنشأت تعلم علم الآثار المصرية القبطية في بيزا لتثبت بذلك أنها لا تريد أن تكون غريبة عن علم كانت لها القدم الراسخة قديماً في الإبداع فيه وكانت للغة الحبشية المقام الأول في إيطاليا لأنها رأتها أقرب إلى بث الدعوة في نساطرة الحبش وإن التجارة تمكن ودن أن يصطدم الإيطالي مع الإسلام الذي لا يتساهل.
وفي أوائل القرن التاسع عشر أنشأت إيطاليا مجمعاً ومدرسة لتنصير الأفريقيين وتعلم دعاة لهذا الغرض تأخذهم من أبناء تلك البلاد وتربيهم ليعودوا إلى مساقط رؤوسهم يحيون فيها روح دينهم الجديدة لكن هذا العمل في التنصير أخفق لما حال أمامه في كل مكان من بث دعوة الإسلام ونشر الدعوة البرتستانتية فاقتصرت إيطاليا من ثم عَلَى غرس نفوذها في تلك البلاد وإعداد الأسباب للمطامع الاستعمارية.
فكانت سياسة إيطاليا حازمة محتشمة أولاً ففي سنة 1869 عندما فتحت ترعة السويس ابتاعت شركة الملاحة الإيطالية روباتينو من زعيمين مستقلين مرفأ أساب بالقرب من جزيرة بريم عَلَى الشاطئ الأفريقي من البحر الأحمر فجعلته محطة لسفنها الذاهبة إلى الشرق الأقصى ولما خاب ظن إيطاليا في الاستيلاء عَلَى تونس ابتاعت من هذه الشركة سنة 1882 جميع ما تملكه في تلك الرجاء بمبلغ 410 آلاف فرنك فكلفتها كثيراً وأرسلت