فإنما دعوتهم إلى أهانتك إما بكلام يحرجك وإما بفعال تقدحك وإن دعاهم إلى ذلك فضلك أجابوا إما بثناء يرفعك وبجزاء ينفعك.
وقال في معرفة الأخوان إنك لن تعرف أخاك حق المعرفة ولن تخبره حق المخبرة ولن تجربه حق التجربة وإن كنتما بدار واحدة حتى تسافر معه أو تعامله بالدينار والدرهم أو تقع في شدة أو تحتاج إليه في مهمة فإذا بلوته في هذه الأشياء فرضيته فانظر فإن كان أكبر منك فاتخذه أباً وإن كان أصغر منك فاتخذ ابناً وإن كان مثلك فاتخذ أخاً وكن به أوثق منك بنفسك في بعض المواطن وقال: كن من الكريم عَلَى حذر إن أهنته ومن اللئيم إن أكرمته ومن العاقل إن أحرجته ومن الحمق إن مازحته ومن الفاجر إن عاشرته ولا تدل عَلَى من لا يحتمل أدلالك ولا تقبل عَلَى من لا يحب إقبالك وكن حذراً كأنك غرو وكن ذاكراً كأنك ناسٍ والتزم الصمت إلى أن يلزمك التكلم فمن أكثر من يندم إذا نطق وأقل من يندم إذا لم ينطق وإذا ابتليت فعند ذلك تعرف جودة منطقك وقلة زللك وسعة عفوك وقلة حيلتك ومنفعة قوتك وحسن تخلصك واعلم أن بعض القول أغمض من بعض وبعضه أبين من بضع وبعضه أخشن من بعض وبعضه الين من بعض ولو كان واحداً فإن الكلمة اللينة لتلين من القلوب ما هو أخشن من الحديد وإن الكلمة الخشنة لتخشن من القلوب ما هو ألين من الحرير وإن عظم الناس بلاء وأدومهم عناء وأطولهم شقاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاد مطبق فهو لا يحسن أن ينطق ولا يقدر أن يسكت واعلم أن ليس يحسن أن يجيب من لا يسألك ولا تسأل من لا يجيبك وفي ذلك أقول شعراً:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه إن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
وقال في الرفق في الدواب: إن رفق الرجال بدوابه وحس تعاهده لها وقيامه عليها عمل من أعمال البر وسبب من أسباب الغنى ووجه من وجوه المروءة وقال التدبير مع المال القليل وخير من المال الكثير مع سوء التدبير وإنما المنفقون ثلاثة جواد مبذر وكريم مقدر ولئيم مقتر وفي ذلك أقول شعراً:
رب مال سينعم الناس فيه ... وهو عن ربه قليل الغناء
كان يسقي به وينصب حيناً ... ثم أمسى لمعشر غرباء