مجله المقتبس (صفحة 5390)

وحاسة الإرادة وغاب فلم يع عَلَى نفسه يسكت فلا يحير جواباً ويغيب عن حضور ذهنه ومثل ذلك يصيب الطلبة في الفحوص وكم منهم من أخفق بسبب هذا الجبن. ولطالما شكا الفيلسوف جان جاك روسو المقنن مونتسيكيو من جبن ينالهما حتى قال الأخير عن نفسه أن الجبن كان آفة حياتي.

الجبان يضحك الناظرين منه فقد يرفع صوته في محل يجب خفضه ويخفضه في محل الرفع وتختل حركاته وقد يخرج من الغرفة ويقع من تعلق رجله بالبساط وربما حقر الكبير وكبر الصغير وربما ظنه الحضور أحمق أخرق لا عقل له ولا معرفة ولذلك لا ينجح في حياته وكم من واحد يدفعه حب المال أن يذهب إلى أقصى الأرض فيستفيد من ضعفه ويظهر كذلك وليس هو سعيداً في حبه وربما كان هو المحب الحقيقي بحيث أن كل إنسان مولع بالحب مهما بلغ من جسارته يصبح جباناً أمام محبوبه فلا يحب. والنساء لا يؤخذ بمجامع قلوبهن إلا الجسورون وليس للجبان حظ مع النساء وما أقسى الحكم عليه في ذلك لأنه لم يكن جباناً إلا طمعاً في العواطف.

وفي تلبك الحال يغير الجبن أخلاق المصابين إذا لم يستطيعوا التخلص منه ومن يتفوقون عليه يكونون في الغالب دونه عَلَى أن الجبان قد يختار العزلة عن الناس لئلا يناله منهم ما يضره في عزة نفسه وينزله عن كبريائه عَلَى أن الجبان لا يظل عَلَى جبنه إلا لضعف في إرادته وتضاؤل في امتلاك اضطراباته والدليل عَلَى ذلك أن الجبن يزيد وينقص بحسب الحالة الصحية والاحمرار يكون عَلَى أتمه فيكون فيهم يحمرون بسبب وبلا سبب فهم يشبهون راكب الدراجة يخاف السقوط فتخونه رجلاه فيسقط وكم منهم بقوا عازبين ولم يستمتعوا باللذائذ وكم منهم فكروا بالانتحار ليخلصوا مما هم فيه.

وأحسن دواء للخلاص من الجبن إن لم يكن سهلاً فهو ممكن أن يعمد إلى عمل كل ما يقوي المجموع العصبي وأكثر ما ينجع فيه التأني وتربية الإرادة. وبالجملة فإن الجبن محطة في الحياة يجب أن يقف فيها الشاب وهي جوهرية تنقذ الرجل الذي يتربى بان تكرهه عَلَى أن يحسن قياد نفسه وتعد لحياة داخلية دع أن الجبن في أكثر الأحيان هو نتيجة استعداد لأن يأبى صاحبه بالبدع والرغائب وقصارى القول ينبغي أن يتفاءل خيراً للجبان عَلَى شرط أن يداوي نفسه ومثله هو الذي يخاذله التوفيق لأن يكون رجلاً في هذه الحياة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015