واستبدوا بالملك والثولية والعزل وانفسدت دولة بني العباس لم تزل سر من رأى في تناقض للاختلاف الواقع في الدولة بسبب العصبية التي كانت بيد أمراء الأتراك إلى أن كان آخر من انتقل إلى بغداد من الخلفاء وأقام بها وترك سر من رأى بالكلية المعتضد بالله أمير المؤمنين كما ذكرناه في التاج وخربت حتى لم يبق منها إلا موضع المشهد الذي تزعم الشيعة أن به سرداب القائم المهدي ومحلة أخرى بعيدة منها يقال لها كرخ سامرا وسائر ذلك الخراب يباب يستوحش الناظر إليها بعد أن لم يكن في الأرض كلها أحسن منها ولا أجمل ولا أعظم ولا آنس ولا أوسع ملكاً منها فسبحان من لا يزول ولا يحول.
وذكر الحسن بن أحمد المهلبي في كتابه المسمى بالعزيزي قال وأنا اجترب بسر من رأى منذ صلاة الصبح في شارع واحد ما عليه من جانبيه دور كأن اليد رفعت عنها للوقت لم تعدم إلا الأبواب والسقوف فأما حيطانها فكالجدد فما زلنا نسير إلى ما بعد الظهر حتى انتهينا إلى العمارة فيها وهي مقدار قرية يسيرة في وسطها ثم سرنا بعد الغد عَلَى مثل تلك الحال فما خرجنا من آثار البناءِ إلى نحو الظهر ولا شك أن طول البناء كان أكثر من ثمانية فراسخ.
وكان ابن المعتز مجتازاً بسامرا متأسفاً عليها وله كلام منثور ومنظم في وصفها ولما استدبر أمرها جعلت تنقض وتحمل أنقاضها إلى بغداد ويعمر بها فقال ابن المعتز:
قد أقفرت سر من رأى ... وما لشيءٍ دوام
فالنقض يحمل منها ... كأنها آجام
ماتت كما مات فيل ... تسلُّ منه العظام
وكتب عَلَى وجه حائط من حيطان سامرا الخراب:
حكم الضيوف بهذا الربع أنفذ من ... حكم الخلائف آبائي عَلَى الأمم
فكل ما فيه مبذول لطارقه ... ولا ذمام به إلا عَلَى الحرم
وكتب عبد الله بن المعتز إلى بعض أخوانه يصف سر من رأى ويذكر خرابها ويذم بغداد وأهلها ويفضل سامرا: كتبت إليك من بلدة قد أنهض الدهر سكانها واقعد جدرانها فشاهد اليأس فيها ينطق وحبل الرجاء فيها يقصر فكأن عمرانها يطوى وكأن خرابها ينشر وقد وكلت إلى الهجر نواحيها واستحث باقيها إلى فانيها وقد تمزقت بأهلها الديار فما يجب فيها