في البردان ثم بدا له وبنى بغداد وأراد الرشيد بناءها فبنى بحذائها قصراً وهو بإزاء أثر عظيم قديم كان للأكاسرة ثم بناها المعتصم ونزلها في سنة 221 وكان الرشيد قد حفر نهراً عندها سماه القاطول وأتى الجند وبنى عنده قصراً ثم بنى المعتصم أيضاً هناك قصراً ووهبه لمولاه أشناس فلما ضاقت بغداد عن عساكره وأراد استحداث مدينة كان هذا الموضع عَلَى خاطره فجاءه وبنى عنده سر من رأى بنى داراً وأمر عسكره بمثل ذلك فعمر الناس حول قصره حتى صارت أعظم بلاد الله وبنى فيها مسجداً جامعاً في طرف الأسواق وأنزل أشناس بمن ضم إليه من القواد كرخ سامرا وهو كرخ فيروز وأقام ابنه الواثق بسامرا حتى مات بها ثم ولي المتوكل فأقام بالهاروني وبنى به أبنية كثيرة وأقطع الناس في ظهر سر من رأى في الحيز الذي كان احتجره المعتصم واتسع الناس بذلك وبنى مسجداً جامعاً فأعظم النفقة عليه وأمر برفع منارة لتعلو أصوات المؤذنين فيها وحتى ينظر إليها من فراسخ فجمعوا الناس فيه وتركوا المسجد الأول واشتق من دجلة قناتين شتوية وصيفية تدخلان الجامع وتتخللان شوارع سامرا واشتق نهر آخر وقدره الدخول إلى الحيز فمات قبل أن يتمم وحاول المنتصر تتميمه فلقصر أيامه لم يتمم ثم اختلف الأمر بعده فبطل وكان المتوكل قد أنفق عليه سبعمائة ألف دينار.
ولم يبن أحد من الخلفاء يسر من رأى الأبنية الجليلة مثل ما بناه المتوكل فمن ذلك القصر المعروف بالعرس أنفق عليه ثلاثين ألف ألف درهم والجعفري المحدث عشرة آلاف ألف درهم والغريب عشرة آلاف ألف درهم والشيدان عشرة آلاف ألف درهم والبرج عشرة آلاف ألف درهم والصبح خمسة آلاف ألف درهم والمليح خمسة آلاف ألف درهم وقصر بستان الإيتاخية عشرة آلاف ألف درهم والتل علوه وسفله خمسة آلاف ألف درهم والجوسق في ميدان الصخر خمسمائة ألف درهم والمسجد الجامع خمسة عشر ألف ألف درهم وبراكون للمعتز عشرين ألف ألف درهم والقصر بالمتوكلية وهو الذي يقال له الماحوزة خمسين ألف ألف درهم والبهو خمسة وعشرين ألف ألف درهم واللؤلؤة خمسة آلاف ألف درهم فذلك الجميع مائتا ألف ألف وأربعة وتسعون ألف ألف درهم.
وكان المعتصم والواثق والمتوكل إذا بنى أحدهم قصراً أو غيره أمر الشعراء أن يعمل فيه شعر فمن ذلك قول علي بن الجهم في الجعفري الذي للمتوكل: