وقد توسع المؤلف في الكلام عَلَى عادات أهل هذه البلاد وأصولهم وحكامهم وأحكامهم ودرجة عمرانهم وما أصاب البلاد من الأحداث الجوية والأرضية ولاسيما في زمنه وما نال هذه المدينة من عيث المغاربة والمصامدة وهم جيش الفاطميين كما نالها في عهد العثمانيين من مظالم اليكي جرية (الإنكشارية).
ويستفاد من هذا التاريخ أن ولاية الفاطميين عَلَى دمشق كانت إلى الشقاء وكثرت فيها المصادرات وتغيير الولاة التي تبعث بهم مصر فلا يلبثوا أن يصلوا حتى يصدر إليهم الأمر بالعودة وقد زاد الناشر بالكتاب فوائد مهمة بأن حلاه بحواشٍ نقلها عن كتب تاريخية مخطوطة مثل تاريخ الإسلام للحافظ الذهبي وتاريخ الأزرقي وتاريخ سبط ابن الجوزي ومما نقله عن تاريخ سبط ابن الجوزي فو حوادث سنة 467 أن أتسز (ابن أوق مقدم الأتراك في دمشق الذي أبطل الأذان بحي عَلَى خير العمل من هذه الحاضرة) عاد إلى دمشق ولم يبق بها من أهلها سوى ثلاثة آلاف إنسان بعد خمسمائة ألف أفناهم الفقر والغلاء والجلاء وكان بها مائتان وأربعون خبازاً فصار بها خبازان والأسواق خالية والدار التي كانت تساوي ثلاثة آلاف دينار ينادى عليها عشرة دنانير فلا يشتريها أحد والدكان الذي يساوي ألف دينار ما يشترى بدينار وكان الضعفاء يأتون للدار الجليلة ذات الأثمان الثقيلة فيضرمون بها النار فتحرق ويجعلون أخشابها فحماً يصطلون به وأكلت الكلاب والسنانير وكان الناس يقفون في الأزقة الضيقة فيأخذون المجتازين فيذبحونهم ويشوونهم ويأكلونهم ولامرأة داران قد أعطيت قديماً في كل دار ثلاثمائة دينار أو أربعمائة ولما ارتفعت الشدة عن الناس ظهر الفأر فاحتاجت إلى سنور فباعت أحد الدارين بأربعة عشر قيراطاً واشترت بها سنوراً اهـ.
وهذا الوصف العجيب المتعلق بتاريخ عمران هذه القاعدة لم يذكره فيما أطلعنا عليه أحد المؤرخين وقد اكتفى ابن الأثير فو حوادث سنة 468 بقوله أنه غلت في دمشق الأسعار حتى أكل الناس بعضهم بعضاً وعدمت الأقوات فبيعت الغرارة (ثمانون مداً من القمح) إذا وجدت بأكثر من عشرين ديناراً.
وإنشاء ابن القلانسي جيد وفكره خال من خرافات عصره ولا غرو فالمؤرخين ملقحة بالسداد وأفكارهم مهما انحطت عصورهم يكونون أرقى منها بمراحل خصوصا من كان