ذكر ابن منقذ فرقة العرب الذين رآهم عَلَى حدود مصر قال ورأيت بهم من الضر أمراً عظيماً وقد يبست جلودهم عَلَى عظامهم قلت: إي أنتم قالوا: نحن من بني أبي. وبنو أبي فرقة من العرب من طيءٍ لا يأكلون إلا الميتة ويقولون نحن خير العرب ما فينا مجذوم ولا أبرص ولا زمن ولا أعمى وإذا نزل بهم الضيف ذبحوا له وأطعموه من غير طعامهم قلت: ما جاء بكم إلى ها هنا قالوا: لنا بحسمى كثول ذرة مطمورة جئنا نأخذها قلت: وكم لكم هنا قالوا: من عيد رمضان إنا ها هنا ما رأينا الزاد بأعيننا قلت: فمن أين تعيشون قالوا من الرمة يعنون العظام البالية الملقاة ندقها ونعمل عليها الماء وورق القطف شجر بتلك الأرض ونتقوت به قلت: فكلابكم وحمركم قالوا الكلاب نطعمهم من عيشنا والحمير من الحشيش قلت: فلم لا دخلتم إلى دمشق قالوا: خفنا الوباء ولا وباء أعظم مما كانوا فيه وكان ذلك بعد عيد الأضحى فوقفت حتى جاءت الجمال وأعطيتهم من الزاد الذي كان معنا وقطعت فوطة كانت عَلَى رأسي أعطيتها للمرأتين فكادت عقولهم تزول من فرحهم بالزاد وقلت: لا تقيموا ها هنا يسبوكم الإفرنج.
وذكر أنه سار مع أخيه من دمشق يقصد هو وأصحابه إلى عسقلان يريدون الغارة عَلَى بيت جبريل وقتالها فاجتمع الإفرنج من تلك الحصون وقال: وهي كلها متقاربة وفيها خيل كثير للإفرنج لمغادرة عسقلان ومراوحتها. وذكر من جملة كلام له في مسيره من مصر إلى الشام أنه وصل جبال بني فهيد في وادي موسى وطلع في طرقات ضيقة وعرة إلى أرض فسيحة ورجال وشياطين رجيمة من ظفروا به منفرداً قتلوه وتلك الناحية لا تخلو من بعض بني ربيعة الأمراء الظائيين فسألت من ها هنا من الأمراء من بني ربيعة قالوا منصور بن غدفل. وذكر أنه أخذ أماناً من الإفرنج وأرسل عياله وأشغاله من دمياط إلى عكا في بسطة من بسط الإفرنج فهب هؤلاء ما مع عياله وكان نحو ثلاثين ألف دينار قال وهو مما يدل أنه كان من غلاة الكتب: وحرمنا ذهاب ما ذهب من الملل إلا ما ذهب لي من الكتب فإنها كانت أربعة ألف (آلاف) مجلد من الكتب الفاخرة فإن ذهابها حزازة في قلبي ما عشت.
وقال فهذه نكبات تزعزع الجبال تفني الأموال والله سبحانه يعود برحمته ويختم بلطفه ومغفرته وتلك وقعات كبار شهدتها مضافة إلى نكبات نكبتها سلمت فيها النفس لتوقيت الآجال وأجحفت بهلاك المال وكان لبين هذه الوقعات فترات شهدت فيها من الحروب مع