العمارة فلجا إليها قوم من أهلها فنجوا وهلك بها من المتاع والجهات للغرباء وأهل البلد وسبي بها وقتل من أهل سوادها ما في أعادته ارماض من سمعه ووهن على الإسلام وأهله وكان لها أسواق حسنة وحمامات وفنادق ومحال وعراص فسيحة وهي الآن كالمتماسكة ولم تنزل أسعارهم في الأغذية وجميع المأكل قديما واسعة رخيصة وعليهم ألان للروم في كل سنة قانون يؤدونه وضريبة تستخرج من كل دار وضيعة معلومة وكأنهم معهم في هدنة وليست وان كانت أحوالها متماسكة وأمورها رضية بحال جزء من عشرين جزءا مما كانت عليه من قديم أوقاتها وسالف أيامها.
ووصف ابن جبير حلب في القرن السادس فقال: إن هذا البلد موضوعة ضخم جدات حفيل التركيب بديع الحسن واسع الأسواق كبيرها متصلة الانتظام مستطيلة تخرج من سماط صنعة إلى سماط صنعة أخرى إلى إن تفرغ من جميع الصناعات المدنية وكلها بالخشب فسكانها في ظلال وارفة فكل سوق منها تقيد الأبصار حسنا وتستوقف المستوفز تعجباً وأما قيساريتها فحديقة بستان نظافة وجمالا مطيفة بجامع المكرم لا يتشوق الجالس فيها مرأى سواها ولو كان من المراي الرياضية قد اتصل السماط خزانة واحدة وتخللها شرف خشبية بديعة النقش وتفتحت كلها حوانيت فجاء منظرها أجمل منظر وكل سماط منها يتصل بباب من أبواب الجامع المكرم.
وقصارى القول فان عمران حلب القديم يشبه عمرانها الحديث إلا قليلا ومن أعظم ما يجعل الشبه كثيرا بين أدوارها المختلفة ذاك الحجر الأبيض المتين بني الحلبيون به بيوتهم وحوانيتهم وخاناتهم وتكاد تظن الشوارع والحارات والمساكن قطعة واحدة لأنها كلها مبلطة معمولة من صنف واحد من الحجارة تنبسط له النفس بخلاف الحجر الأسود الكثيب المستعمل في النداء بدمشق وحمص وغيرها.
وقد أصاب حلب من مقوضات دعائم العمران في القرون الأخيرة ما أصاب غيرها من بلدان سورية ومنها الزلازل والأوبئة التي انتشرت فيها عقيب استيلاء السلطان سليم العثماني عليها سنة 922 بعد وقعة دامت ست ساعات بين جنده المؤلف إذ ذاك من ثمانين ألفا وثمانمائة مدفع وجند الغوري الجركسي سلطان مصر والشام الذي كان ضعيف التدبير قليل النظام وذلك في مكان يعرف بمرج دابق على بضع ساعات من حلب ونهض